بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
غزوة أحد : من أهم الغزوات وأشهرها وأشدها في التاريخ الإسلامي، حدثت هذه الغزوة في شهر شوال في العام الثالث من الهجرة، وسميت بغزوة أحد لأن المعركة وقعت بالقرب من جبل أحد في ضواحي المدينة المنورة، فماذا حدث في هذه المعركة العظيمة؟ وما قصة الرماة الذين بسببهم دارت رحى الحرب على المسلمين؟ وماذا حدث لرسول الله ﷺ فيها؟ وكيف استشهد فيها حمزة بن عبد المطلب ومن قتله؟ وما هي أبرز البطولات التي حدثت في هذه المعركة العصيبة؟ في هذا المقال، سنجيب عن هذه التساؤلات إن شاء الله تعالى.
متى كانت غزوة أحد ؟
حدثت غزوة أحد في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، في أوائل الشهر، وحدثت المعركة بالضبط في اليوم السابع من شهر شوال، وهو اليوم الموافق ليوم: 25 مارس 625 في التقويم الميلادي.
أين وقعت غزوة أحد ؟
وقعت غزوة أحد في ضواحي المدينة المنورة، وتحديدا في سفوح جبل أحد، وجبل أحد من أشهر الجبال، وهو جبل قال عنه رسول الله ﷺ: {هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ.} رواه البخاري. وهو جبل له أهمية كبيرة لدى المسلمين.
سبب غزوة أحد
لما انهزم المشركون هزيمة نكراء في غزوة بدر الكبرى، بقيت في نفوسهم أحقاد وأضغان عظيمة تجاه المسلمين، وبقيت في نفوسهم آثار بالغة ورغبات عميقة في أخذ الثأر، كيف لا وقد قاتلو المسلمين فقتل منهم أزيد من 70 رجلا، وأسر سبعون آخرون مقابل أقل من 20 شهيدا فقط من المسلمين الذين كانوا قلة في ذلك اليوم العظيم.
وكذلك فمن قتل يوم بدر ليسوا فقط رجالا من عامة القوم، وإنما كان فيهم الأشراف والوجهاء أمثال أبي جهل بن هشام وأخيه عمرو بن هشام وأمية بن خلف وغيرهم.
فاتفق المشركون على لم شملهم ومقاتلة المسلمين وإقامة حرب شاملة ضدهم. فكانت معركة أحُد عن تخطيط ودراية من المشركين.
ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله
أنزل الله عز وجل آية:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} الأنفال.
أنزلها الله في قوم قريش الذين كانوا ينفقون أموالهم في سبيل الصد عن سبيل الله، ففي غزوة أحد، جمع المشركون الأموال وأعدوا العدة، وفتحوا باب التطوع لكل من أراد المساهمة في قتال المسلمين وغزوهم، واستأجروا الشعراء وأغروهم بالأموال ليحرضوا القبائل على المسلمين.
فجمعوا في خلال السنة التي فصلت بين معركة بدر إلى أحد عدة وأموالا كبيرة.
كم عدد المشركين في غزوة أحد وعدتهم وعتادهم؟
اجتمع من المشركين 3 آلاف مقاتل من قريش وحلفائها والأحابيش، وأخذوا معهم 15 امرأة منهم نساء الأشراف مثل هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بن حرب كبير قومهم لتشجيع الرجال وحضهم على القتال.
وكان لهم من السلاح ثلاثة آلاف بعير، ومئتا فرس، وسبعمائة درع من سلاح الوقاية.
وقاد هذا الجيش الكبير كبير القوم أبو سفيان بن حرب، وقادَ الفرسانَ خالد بن الوليد، وكان آنذاك مشركا، وكان لواء الحرب لبني عبد الدار.
حركة جيش المشركين
تحرك جيش المشركين من مكة بعد إعداد العدة وجمع الجيش نحو المدينة المنورة، بحقد بالغ وغيظ ملتهب.
معرفة النبي ﷺ بانطلاق الجيش من مكة
كان عم رسول الله ﷺ العباس بن المطلب رضي الله عنه في مكة، يراقب حركات قريش وسكناتها ويبلغ رسول الله ﷺ بالجديد، فلما تحرك الجيش بعث العباس رضي الله عنه بمبعوث إلى رسول الله ﷺ يبلغه بتحرك الجيش، فوصل ذلك المبعوث إلى المدينة في 3 أيام.
ولما عرف رسول الله ﷺ وأصحابه بالخبر قامت في المدينة المنورة حالة استنفار عام، وبقوا على حذر لا يفارقهم السلاح حتى في الصلاة، وبدأوا بالتخطيط للحرب.
واقترب جيش المشركين من المدينة المنورة وقام مجلس استشاري للمسلمين لأخذ خطة الدفاع والحرب. فكان الرأي بادئ الأمر أن يبقوا في المدينة ويتحصنوا بها، فإذا بقي المشركون في معسكرهم تركوهم، وإذا دخلوا عليهم قاتلوهم داخل المدينة على أفواه الأزقة والنساء والأطفال فوق البيوت.
وأصر بعض المسلمين من الذين لم يحضروا غزوة بدر خاصة ومن غيرهم على رسول الله ﷺ بالخروج، وترجوه أن يخرج بهم لقتال القوم، ومن هؤلاء حمزة بن عبد المطلب أسد الله ورسوله رضي الله عنه وأرضاه.
ولما كان رأي الأغلبية هو الخروج لمناجزة القوم استقر الأمر على الخروج.
كم عدد المسلمين في غزوة أحد ؟ وعدتهم وعتادهم؟
صلى رسول الله ﷺ بالناس الجمعة ووعظهم وأمرهم بالاجتهاد والصبر والجد، وأخبرهم أن لهم النصر بما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ للعدو، ففرح المؤمنون لذلك.
وصلى بهم رسول الله ﷺ وقد تجهزوا واعتدوا بالعدة والسلاح، ولبس رسول الله ﷺ عمامته ولبس درعين فوق بعضهما، وتقلد سيفه وخرج للناس.
وقسم نبي الله ﷺ الجيش إلى ثلاث كتائب: كتيبة المهاجرين، كتيبة الأوس، كتيبة الخزرج.
عدد جيش المسلمين في أحد
كان قوام الجيش ألف مقاتل، فيهم مائة دارع، وقيل كان في الجيش خمسون فارسا، وقيل لم يكن فيهم الفرسان.
انطلاق جيش المسلمين من المدينة
استعمل رسول الله ﷺ ابن أم مكتوم على المدينة للصلاة بمن بقي فيها، وأذن للناس في الخروج. فخرج شمال المدينة المنورة، واستعرض الجيش في مكان يدعى: الشيخان. فرد بعض الغلمان ممن استصغرهم ورأى أنهم ليسوا أهلا للقتال، منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، أسامة بن زيد، أسيد بن ظهير، زيد بن ثابت، أبو سعيد الخدري وغيرهم، وكلهم كانوا آنذاك صغارا.
وبات الجيش في هذا المكان وصلى رسول الله ﷺ بهم المغرب والعشاء.
موقف المنافقين في غزوة أحد
وقبيل طلوع الفجر، انطلق رسول الله ﷺ بالجيش حتى تراءى الجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين، وهنا في هذه النقطة الحساسة، وفي هذا الموقف الصعب، تمرد عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، فانسحب عن الجيش وانسحب معه قرابة 300 مقاتل، وقال: “ما ندري علام نقتل أنفسنا؟”
فخان المسلمين خيانة عظمى، وكان هدفه في هذا الموقف الحساس أن يجعل عزائم المسلمين تخور، ويحدث البلبلة والاضطراب في صفوف المسلمين، وقد انسحب معه من انسحب، وكادت طائفتان من الأنصار أن تفشلا بسببه، وهما بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج، لكن الله ثبتهما وتولاهما، وفيهما نزلت الآية الكريمة:
{إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)} آل عمران.
فكان هذا الموقف موقفا حرجا وامتحانا لقلوب المؤمنين، وكاشفا لغدر المنافقين وفاضحا لأمرهم، وكان هذا الموقف هو أول موقف ينكشف فيه أمرهم، وما أكثر أن تكشف الفتن عن سرائر الناس ومعادنهم.
أين وقعت غزوة أحد ؟ موقع جيش المسلمين
وبعد هذا الموقف الحاسم، استمر مع رسول الله ﷺ حوالي 700 مقاتل من المسلمين في المسير، وسرى بهم حتى نزل بشعب جبل أحد في الوادي، وجعل الجيش مستقبلا المدينة المنورة، وجبل أحد خلف ظهره، وجيش المشركين بينه وبين المدينة المنورة، وكانت هذه الخطة حكيمة جدا، إذ أن رسول الله ﷺ جعل جبل أحد حاميا لظهره من المشركين.
جبل الرماة
وكانت هناك ثلمة في موقع المعركة، وهي عبارة عن ممر صغير بين جبل أحد وجبل صغير يدعى الآن بجبل الرماة، سدها رسول الله ﷺ ب50 من الرماة، أمرهم بالمكوث على هذا الجبل الصغير ليحموا ظهور المسلمين، وأمرهم ألا يتحركو في الحالين، سواء انتصر جيش المسلمين أو انهزموا، أمرهم ألا يتحركوا حتى يأذن لهم رسول الله ﷺ ولوا رأوهم تتخطف رؤوسهم الطير.
محاولات الغدر بالمسلمين من طرف المشركين
وبذل المشركون جهودا قبيْل المعركة في تفريق صف المسلمين، حيث أرسل أبو سفيان بن حرب للأنصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم. فطلبوا منهم أن يتخلوا عن رسول الله ﷺ والمهاجرين ويخلوا سبيلهم وينصرفوا عنهم.
ولكن هيهات أن تتصدع قلوب مملوؤة بالإيمان والتقوى، قلوب الأنصار الذيين آووا رسول الله ﷺ ونصروه حين آذاه قومه وحاربوا دعوته، ورد الأنصار على أبي سفيان ردا أسمعوه فيه ما يكره.
ثم قاموا بمحاولة أخرى، حيث أرسلوا واحدا من قبيلة الأوس يدعى أبا عامر الفاسق، لما جاء رسول الله ﷺ للمدينة جاهر بالعداء له، فلما استيأس من قومه خرج إلى مكة، وبقي هناك يألب المشركين على المسلمين ويثيرهم عليهم.
فلما كان يوم أحد كان أول من خرج إلى قومه فعرفوه، وظن أن قومه سيطيعونه لما يرونه، ولكن هيهات أن يطيع مؤمن كافرا.
الشرارة الأولى في معركة أحد
وكان أول وقود هذه المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان يعرف بشجاعته الكبيرة، وكان كثيرا ما يخرج في أول المعركة، خرج على جمل يدعو للمبارزة فلم يجبه أحد، فتقدم له الزبير بن العوام رضي الله عنه ولم يمهله، فوثب عليه على جمله فأسقطه وذبحه بسيفه.
فكبر المسلمون واندلعت المعركة وبدأ القتال العنيف وبدأت رحى الحرب تدور.
معركة أحد
كانت معركة أحد معركة عنيفة، يشعل وقودها إيمان المسلمين وحبهم للشهادة، ونصرتهم للإسلام وحبهم المتفاني لله ورسوله ودينه، ومن جهة أخرى يشعلها حقد المشركين وغيظهم وتكبرهم ورغبتهم الشديدة في الانتقام، ودفع الشيطان لهم وتزيين مقاتلة المسلمين لهم.
فكانت ساحة معركة أحد مليئة بالبطولات والشجاعة والإقدام، وحتى المشركون أبدوا شجاعة كبيرة في القتال، لكنها لا تقاس بشجاعة المؤمنين، فكلا الطرفين أبدى عن شجاعة من له باع في الحروب، والشجاعة من أبرز صفات العرب خاصة في ذاك الزمان، لكن لا مجال للمقارنة بين شجاعة المؤمن وشجاعة الكافر.
السيطرة على الوضع في غزوة أحد بادئ الأمر
وفي بدايات المعركة، كان للمسلمين القوة الأكبر والأظهر على قلة تعدادهم، فكان المؤمنون الثابتون يقاتلون ببسالة، فقتل كل حاملي لواء المشركين حتى سقط على الأرض ولم يجد من يحمله، وكانوا 10 رجال من بني عبد الدار أبيدوا عن آخرهم، ثم حمله عبد حبشي فقتل هو الآخر وسقط اللواء على الأرض.
وكانت خطة رسول الله ﷺ ناجحة بشكل واضح، فكان ترك الرماة على الجبل نافعا جدا، حيث حاول خالد بن الوليد بفرسانه الالتفاف وراء الجبل ليأتي جيش المسلمين من ظهورهم فيظهر عليهم، لكن الرماة أفشلوا خطته هذه ثلاث مرات متتالية.
وبدأت الهزيمة تنزل على المشركين حتى بدأوا بالفرار، ولم يجرأ أحد على أن يحمل لواء الحرب بعد أن سقط، ووقعت بطولات تاريخية في تلك المعركة من المؤمنين، فقد كانوا بتعداد ربع جيش المشركين لكنهم ظهروا عليهم، وهنا عند هذه النقطة بالذات، وقعت الكارثة.
سبب هزيمة المسلمين في غزوة أحد
إن مخالفة أمر الله وأمر رسوله الكريم ﷺ لطالما كانت عواقبها وخيمة، ومن المواطن التي أثبتت خطورة مخالفة أمر رسول الله ﷺ، يوم أحد، حيث أن نفرا كبيرا من الرماة الذين أمرهم رسول الله ﷺ بعدم التحرك من موقعهم حتى يأتيهم الأمر من عنده، خالفوا عن أمره وقال بعضهم: الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم فماذا تنتظرون؟
فاستهوتهم الدنيا لما رأوا أصحابهم يجمعون الغنائم، ورأوا أن المشركين فارون من المعركة، فنزل معظمهم وتركوا الموقع رغم نهي رسول الله ﷺ لهم عن ذلك في حال الانتصار والهزيمة، ورغم تحذير عبد الله بن جبير رضي الله عنه لهم، لكنهم نزلوا ولم يبق إلا عبد الله بن جبير وتسعة نفر من الرماة على الجبل.
خالد بن الوليد في غزوة احد
وهنا اغتنم خالد بن الوليد وفرسانه هذه الفرصة الذهبية، فلما نزل الرماة عن الجبل التف حول الجبل وطوق المسلمين من خلفهم، فقتلوا عبد الله بن جبير والرماة الذين معه على الجبل كلهم وأغاروا على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحة علم منها المشركون الفارون أنه قد نجح في الالتفاف حولهم فعادوا إلى المعركة، وحملوا لواء الشرك وصار المسلمون داخل رحى الحرب من أمامهم ومن خلفهم.
ماذا حدث للرسول ﷺ في غزوة أحد
ومع دوران الدائرة على المسلمين، ووقوعهم في هذا الفخ، أحاط الخطر برسول الله ﷺ نفسه، وكان حينها في نفر من أصحابه في مؤخرة المسلمين يراقب المعركة، فباغته خالد بن الوليد مباغتة كاملة هو وفرسانه.
فأبدى رسول الله ﷺ في هذا الموقف شجاعة وعبقرية عظيمة، إن دلت على شيء إنما تدل على أنه رسول كريم.
كان بمقدور رسول الله ﷺ أن ينجو بنفسه مع أصحابه إلى ملجئ آمن، وكان المشركون لا يعلمون موقعه، ويترك المسلمين بين رحى الحرب يواجهون مصيرهم المجهول.
لكنه آثر أن يدعوهم فيجمعهم حوله ويتخذ بهم جبهة ينقذ بها من كان داخل رحى الحرب. فرفع رسول الله صوته مناديا على أصحابه: {عباد الله}.
وقد علم أن المشركين سيسمعونه، ومع ذلك خاطر بنفسه في لحظات عصيبة، وقد وصل إليه المشركون قبل المسلمين.
وفي هذا الموقف الحرج، كانت هناك طائفة من المسلمين لم يقدروا على الصبر، وطار صوابهم فصاروا لا تهمهم إلا أنفسهم، فمنهم من فر إلى المدينة فدخلها، ومنهم من فر إلى الجبال، وكل في شأنه.
ومنهم طائفة ثانية دخلها ارتباك شديد وفوضى فلم يعلموا حينها ماذا يفعلون، وبينما هم كذلك إذ سمعوا رجلا يصيح: إن محمدا قد قتل.
فطار صوابهم هم الآخرون، وانهار بعض المسلمين وكاد أن ينهار آخرون، فترك بعضهم القتال وألقى سلاحه، وفكر بعضهم بالاتصال بعبد الله بن أبي بن سلول ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان.
ومن هذه الطائفة من ثبت حتى عند سماع خبر مقتل رسول الله ﷺ، فقال بعضهم: ماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ. وحث بعضهم بعضا على الثبات والقتال لله وعلى دينه، فالله حي لا يموت. وعاد الثبات للكثير من المؤمنين وعادوا لساحة القتال.
وكانت هناك فئة ثالثة لا تهمها أنفسها ولا أي غرض من أغراض الدنيا، فئة لا يهمهم إلا الله ورسوله، أول ما سمعوا صوت رسول الله ﷺ ذهبوا إليه ولا شيء يثنيهم، وفي تلك الأثناء، اشتد الاحتدام أمام رسول الله ﷺ بين المشركين وأصحابه التسعة الذين كانوا معه.
وكان في أولئك التسعة 7 أنصار ومهاجران، فقتل السبعة من الأنصار كلهم واحدا تلو الآخر منافحين عن رسول الله ﷺ، وبقي المهاجران ينافحان عن رسول الله ﷺ أمام جموع المشركين الذين يريدون رسول الله ﷺ، وبقي معه القرشيان: طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص.
جرح رسول الله ﷺ في غزوة أحد وكسر رباعيته
واشتد الأذى والقتال أمام رسول الله ﷺ، حتى أنها كسرت رباعيته السفلى، وجرحت شفته السفلى وجبهته الشريفة ﷺ، وضربه عبد الله بن قمئة المشرك على عاتقه ضربة لم تتخطى الدرعين لكنه شكى منها أكثر من شهر بعد ذلك، وضُرب على وجنته.
ولكن شجاعة الصحابيين الجليلين وحبهما لرسول الله ﷺ كان عظيما، فقاما ببطولة نادرة أمام جمع المشركين، وكان كذلك للملائكة نصيب في حماية رسول الله ﷺ في تلك اللحظات الحرجة وذاك اليوم العصيب، فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال:
رأيت رسول الله ﷺ يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد.
وكل هذه الأحداث التي حدثت مع رسول الله ﷺ ما هي إلا لحظات من الزمن، حتى أدركه من كانوا في أوائل الصفوف، وأول من وصل من المؤمنين إلى رسول الله ﷺ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولحق الصحابة الكبار تباعا في موقف لا يقدر عليه إلا أشد الرجال، أمثال عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، علي بن أبي طالب، سهل بن حنيف، مصعب بن عمير، مالك بن سنان، قتادة بن النعمان، أبو طلحة بن عبيد الله…
وكان عدد المشركين أيضا يتزايد حول رسول الله ﷺ كما يتزايد المسلمون، هؤلاء يريدون حمايته وهؤلاء يريدون قتله. وحدثت في تلك اللحظات مواقف بطولية عظيمة كشفت عن معادن الرجال المؤمنين الحقيقيين.
فكان من هذه البطولات:
بطولات الصحابة في غزوة أحد
الصحابي الذي حمى الرسول ﷺ في غزوة أحد
من هؤلاء الأبطال طلحة بن عبيد الله، كان في ذلك اليوم العصيب مع النفر الملازمين لرسول الله ﷺ، فذب عن رسول الله ﷺ حتى قطعت أصابعه، حتى قال عنه رسول الله ﷺ:
{من أحبَّ أن ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرضِ فلْينظُرْ إلى طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ} صححه الألباني.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول عن يوم أحد: “ذلك اليوم كله لطلحة.” وهو من العشرة المبشرين بالجنة.
أبو طلحة بن عبيد الله
وكان لأبيه أيضا نصيب كبير من الشجاعة والبطولة في هذا اليوم العصيب، حيث كان يسور نفسه أمام رسول الله ﷺ ويرفع صدره يتلقى به سهام العدو حتى لا تصيب رسول الله ﷺ، وكسر في يده قوسان أو ثلاثة وكان راميا بارعا.
مصعب بن عمير يوم أحد
وكذلك قاتل مصعب بن عمير قتال الأسود، فحمل اللواء حتى قطعت يده اليمنى فحمله باليسرى، فقطعت يده اليسرى فبرك عليه بصدره وعنقه حتى قتل. وكان قاتله هو عبد الله بن قمئة، وظن أنه قتل رسول الله ﷺ لشبهه به، وهو الذي أشاع خبر مقتل رسول الله ﷺ ظانا أنه قد قتله وهو قتل مصعب بن عمير.
إنقاذ من بقي من المسلمين والانسحاب المنظم من المعركة
وقاتلت هذه الفئة المؤمنة قتالا شديدا حتى وصلوا إلى قلب المعركة لينقذوا من بقي هناك من الصحابة، وعرف المؤمنون أن رسول الله ﷺ لم يمت لما رأوه، وتجمع حوله المسلمون ثم بدأوا بالانسحاب المنظم نحو شعب الجبل، ونجحوا في الانسحاب من رحى الحرب رغم محاولات المشركين لإفشال ذلك.
استشهاد حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد
واستشهد في هذا اليوم الكبير عدد كبير من المسلمين، وكان هذا العدد حوالي 70 منهم، ومن هؤلاء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم رسول الله ﷺ وأخوه من الرضاعة.
ولم يكن مقتل حمزة رضي الله عنه قتل مواجهة وجها لوجه، وإنما كان موته غدرا، فقد كان جبير بن مطعم آنذاك مشركا قبل أن يسلم رضي الله عنه له عبد حبشي يسمى وحشي، وعده بأن يعتقه إذا قتل حمزة، ووعده بذلك لأن حمزة رضي الله عنه أصاب عمه طعيمة بن عدي يوم بدر.
فما جاء وحشي الذي أسلم أيضا بعد ذلك رضي الله عنه إلا ليقتل حمزة، فترصد له طويلا واختبأ له عدة مرات ينتظر فرصة ليقتله، وكان آنذاك يرمي بالحربة كما هي عادة الأحباش، وكان ماهرا في الرمي لا يكاد يخطأ هدفه، فترصد له خلال المعركة طويلا حتى وجد فرصة مناسبة فهز حربته ودفعها إليه فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه، فأراد أن يبلغ وحشيا فلم يقدر، وتركه وحشي كذلك حتى مات، ومات قبل حادثة الرماة. وحزن رسول الله ﷺ على موته حزنا شديدا.
نهاية المعركة ودفن شهداء أحد
وانتهت المعركة وتفرقت الجموع، وجمع المشركون عدتهم وجرحاهم وانطلقوا نحو مكة، وبقي المسلمون يجمعون شهداءهم، وكان عددهم كبيرا يومها، إذ قتل 70 منهم، حوالي 65 من الأنصار، و4 فقط من المهاجرين.
وأمر رسول الله ﷺ بدفن شهداء أحد في نفس موقع المعركة، وحتى بعض الذين أخذوا قتلاهم إلى المدينة أمروا فأعادوهم إلى الموقع، ودفن الشهداء بلا تغسيل بثيابهم، ودفن بعضهم مع بعضهم، فدفن الاثنان في قبر والثلاثة في قبر. ولا زالت مقبرة شهداء أحد إلى اليوم بالقرب من جبل أحد.
وانتهت هذه المعركة مخلفة ضررا للمسلمين جراء مخالفة طائفة منهم أمر رسول الله ﷺ، لكن مع ذلك لم تكن هزيمة نكراء، فقد صبر المسلمون ورابطوا حتى حموا رسول الله ﷺ وعادوا بأقل الأضرار.
ختاما
كانت هذه المعركة معركة عظيمة جدا، صحيح أن المسلمين انهزموا فيها، لكن في هذه الهزيمة حكم ربانية جليلة، وقد تحدث عنها ربنا جل وعلا في كتابه العزيز في سورة آل عمران في الآيات 121 إلى 179 التي ختم بها فقال جل في علاه:
{مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)} آل عمران.
فكان انكسار المسلمين حتى يميز الله به الخبيث من الطيب، ويمتحن المؤمنين ويصفي المنافقين، ويصطفي من عباده للشهادة أولياء.
هذا والله أعلم، وصلى الله على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر
القرآن الكريم
السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-
كتاب الرحيق المختوم –لصفي الرحمان المباركفوري رحمه الله-
عليكم بوقوعها واسبابها ونتائجها الكل تام