بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وبعد: غزوة بدر الكبرى ، من أول الغزوات في الإسلام، وهي الغزوة التي بدأ أمر المسلمين فيها يظهر، وبدأت شوكتهم فيها تقوى، وأول غزوة كسر فيها المسلمون شوكة المشركين من قريش. حدثت في هذه الغزوة أمور عجيبة، تدل على نصر الله عز وجل لعباده المؤمنين ولرسوله ﷺ، لذا في هذا المقال، سنتحدث عن أحداث غزوة بدر الكبرى باختصار، متى حدثت؟ أين حدثت؟ لماذا سميت بغزوة بدر؟ عدد المسلمين وعدد المشركين فيها؟ وأحداثها باختصار.
ما الشهر والعام الذي وقعت فيه غزوة بدر
حدثت غزوة بدر الكبرى في السنة السنة الثانية من الهجرة، تحديدا في شهر رمضان المبارك، وقد كانت تلك السنة أول سنة فرض فيها الصيام على المسلمين، لكن الراجح من أقوال أهل العلم أن الصحابة رضوان الله عليهم أفطروا يوم بدر، لوجود الرخصة في الفطر في رمضان عند السفر. وليتقووا على عدوهم.
سبب غزوة بدر
كان السبب في حدوث غزوة بدر، هو أن قافلة لقريش خرجت تريد الشام، وكان فيها سلع منها ممتلكات المسلمين الذين هاجروا إلى المدينة المنورة، فلما علم رسول الله ﷺ بها أراد أن يستولي عليها، لكنها أفلتت منه في طريق الذهاب، ولما قرب رجوعها من الشام بعث رسول الله ﷺ طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ليأتيا له بخبرها، فترصدا لها حتى مر بهما أبو سفيان بالقافلة فرجعا مسرعين لرسول الله ﷺ يخبرانه.
ملخص أحداث غزوة بدر
فكانت هذه فرصة ذهبية لرسول الله ﷺ وللمسلمين، يقوون بها شوكتهم ويضربون بها القوة السياسية والاقتصادية لقريش، فأعلن في المسلمين فقال ﷺ:
{هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها}
وترك الأمر للرغبة المطلقة في الخروج لتلك الغزوة ولم يعزم أحدا، فخرجوا في تعداد قليل ولم يتجهزوا للقاء العدو.
كم كان عدد المسلمين في غزوة بدر
استعد رسول الله ﷺ للخروج ومعه أكثر بقليل من 300 رجل، فيهم فارسان فقط، وسبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاث على البعير الواحد، واعتقب رسول الله ﷺ وعلي ابن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما بعيرا واحدا.
واستخلف رسول الله ﷺ ابن أم مكتوم على المدينة وعلى الصلاة، ثم رد أبا لبابة بن المنذر واستعمله عليها. ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير.
كتائب الجيش في غزوة بدر
وقسم رسول الله ﷺ الجيش إلى كتيبتين: كتيبة المهاجرين ودفع لوائها إلى علي بن أبي طالب، وكتيبة الأنصار ودفع لواءها إلى سعد بن معاذ رضي الله عنهما.
ووضع الزبير بن العوام على الميمنة، والمقداد بن عمرو على الميسرة، وكانت القيادة العامة له ﷺ.
لماذا سميت غزوة بدر بهذا الاسم
وتحرك رسول الله ﷺ بالجيش من المدينة نحو قرى بدر، وبدر هو مكان بين مكة والمدينة المنورة. ولهذا سميت غزوة بدر بهذا الاسم.
عدد المشركين في غزوة بدر
وبلغ لأبي سفيان خبر مسير رسول الله ﷺ. فأرسل نذيرا إلى مكة ينذرهم أن رسول الله ﷺ يريد الاستيلاء على أموالهم، فاستأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، فذهب الأخير إلى بطن الوادي في مكة واستصرخ القوم: يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
فتحفز أهل مكة وأسرعوا بالتجهز والمسير، فخرج كل أشرافهم ما عدا أبا لهب، أرسل عوضه رجلا كان له عليه دين. فكان أهل مكة كلهم بين خارج بنفسه ومرسل عوضه أحدا.
وخرج رجال قريش كلهم إلا بني عدي لم يخرج منهم أحد، فبلغ تعداد الجيش في بداية سيره 1300 رجل. فيهم مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة. قاد الجيش أبو جهل، ومون الجيش أشراف قريش من أموالهم الخاصة، أنفقوها ليصدوا عن سبيل الله فكانت عليهم حسرة وخسرانا.
إبليس في غزوة بدر
ولما أجمع جيش المشركين على المسير، تذكروا ما بينهم وبين قبيلة بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا منهم أن يضربوهم من ظهورهم فيقعوا بين رحى الحرب من خلفهم ومن أمامهم، فكادوا أن ينثنوا عما خرجوا له، وهنا تبدى لهم إبليس عليه لعنة الله في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة فقال لهم:
إني جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.
وفي هذه قال تعالى:
{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)} الأنفال.
فسار معهم إبليس في هذه الصورة لعنه الله، فلما بدأت المعركة ورأى الملائكة رجع وقال: إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله. وسنتحدث عن هذا في باقي المقال إن شاء الله.
وهذه من المعجزات التي حدثت في غزوة بدر، ولطالما كان حزب الله هم الغالبون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.
جيش مكة يتحرك
وتحرك جيش مكة نحو المسلمين بحقد كبير، وتكبر وعلوٍّ ظانين أن لا غالب لهم في هذا اليوم. ولما كانوا على الطريق تلقوا رسالة من أبي سفيان يقول لهم فيها أن العير التي خرجوا لحمايتها قد نجاها الله، فارجعوا.
فقد بالغ أبو سفيان رضي الله عنه (وكان حينها على الشرك) في الحذر من المسلمين، واستخبر حتى عرف أن جيش المسلمين قد خرج فوجه قافلته نحو الساحل غربا فنجى بها من الجيش.
ولما بلغت رسالة أبي سفيان جيش مكة، انشق الجيش واختلفوا، فكان قائد الجيش أبو جهل بغطرسته وكبريائه يقول:
والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا.
وخالفه سيد بني زهرة الأخنس بن شريق فعاد هو وقومه وكانوا حوالي 300 رجل، فصار الجيش المكي حوالي 1000 رجل.
وسار جيش مكة حتى بلغ بدرا فنزل قريبا منها. وبلغت الأخبار لرسول الله ﷺ وهو لا يزال في الطريق، فعلم ﷺ أنه لم يبق مجال لتجنب اللقاء، فلو عاد بالجيش للمدينة وتركهم على حالهم تلك لقويت شوكتهم وعظمت مكانتهم بين العرب، ولكان إضعافا لمكانة المسلمين ولكلمتهم. وكذلك فلا راد لأن يمضي جيش قريش إلى المدينة المنورة فتصير المعركة داخل أسوارها. فكان القرار الحكيم هو المواجهة.
وعقد رسول الله ﷺ مجلسا استشاريا في هذه الظروف المستعجلة، فتكلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا فأحسنا، وقام كذلك المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال فأحسن، وكان فيما قاله كلماته الشهيرة:
يا رسول الله ، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
وقيل أن الأنصار هم من قالوا هذا الكلام. ولكن على كل، بعد أن تحدث المقداد رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: { أشيروا علي أيها الناس} وكان يريد الأنصار، فكل من عمر وأبي بكر والمقداد كانوا من المهاجرين. ففهم سعد بن معاذ رضي الله عنه ما كان رسول الله ﷺ يرمي إليه فقال:
والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال: {أجل}.
فقال سعد بن معاذ كلاما حسنا، وكان مما قاله كلامه الشهير:
” فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله”.
فسر رسول الله ﷺ وبشرهم بنصر الله. وواصل الجيش الإسلامي سيره حتى نزل قريبا من بدر.
وقبض الصحابة رضوان الله عليهم على غلامين يسقيان لقريش، فأقروهما فأخبرا رسول الله ﷺ معلومات قيمة عن الجيش، عرف منها رسول الله ﷺ عددهم وبعض عدتهم، ثم سألهم عن أشراف قريش فيهم.
فأخبراه أن فيهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة، أبو جهل بن هشام، زمعة بن الأسود، أمية بن خلف، وسمى له عددا كبيرا من أشرافهم، فأقبل رسول الله ﷺ على الناس فقال:
{ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها}.
المطر في غزوة بدر
قال تعالى: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)} الأنفال.
أنزل الله في تلك الليلة التي تسبق المعركة مطرا كان للمؤمنين مثبتا للقلوب والأقدام، ومطهرا به عنهم رجز الشيطان، وأنزل عليهم السكينة فناموا وارتاحوا من أعباء السفر، وجعله الله وبالا على المشركين منعهم من التقدم.
دور الحباب بن المنذر في غزوة بدر
وفي تلك الليلة كان من تخطيط رسول الله ﷺ الحكيم أن تحرك بالجيش ليسبق المشركين إلى الماء، فبلغ أدنى بئر من آبار بدر، وكان يريد الإقامة فيه، لكن الحباب بن المنذر رضي الله عنه كان خبيرا بالحروب، فسأل رسول الله ﷺ إن كان هذا المكان منزلا أمره الله بالنزول فيه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال له رسول الله ﷺ: بل هو الرأي والحرب المكيدة.
فأشار الحباب رضي الله عنه على رسول الله ﷺ بأن يغير هذا المنزل، وينزل بأقرب ماء من جيش المشركين ويخرب ما خلفه من الآبار، ويبني حوضا عند هذا البئر الأخير ويملأه، فيقاتل المسلمون ويشربون ولا يشرب المشركون.
فقال له رسول الله ﷺ: “لقد أشرت بالرأي.” وأخذ برأيه رضي الله عنه، وهنا يظهر تواضع رسول الله ﷺ وأخذه بالمشورة، وكذلك يظهر أدب الصحابي الجليل الحباب بن المنذر رضي الله عنه مع رسول الله ﷺ، فقد سأله أولا إن كان منزلا أمره الله بالنزول فيه أم هو من الخطة الحربية، ثم أشار عليه بعد أن علم أنه من الخطة الحربية.
كما أشار عليه صحابي آخر وهو سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه بأن يبنوا له عريشا يكون مقر قيادة له، ويكون حماية له في حال الهزيمة قبل النصر، فأخذ رسول الله ﷺ برأيه ودعا له بخير.
ثم عبأ رسول الله ﷺ الجيش في ذلك المكان وطاف في مكان المعركة قليلا ثم بات يصلي إلى جذع شجرة هناك، وبات المسلمون ليلة هادئة مملوئين بالثقة في ربهم جل وعلا. وكانت هذه الليلة ليلة الجمعة 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان خرج من المدينة المنورة في الثامن أو الثاني عشر من رمضان على اختلاف القولين بين العلماء.
وفي تلك الأثناء سارت في جيش المشركين معارضات ومناقشات، فكان عتبة بن ربيعة يدعو للرجوع وعدم مقاتلة جيش المسلمين، وكان ذلك لأنه رأى أنهم سيقاتلون المهاجرين من قومهم، فيقتل الرجل ابن عمه وأخاه وغير ذلك، ويبدو أن ما حمله أيضا على ذلك أن فيهم ابنه أبا حذيفة بن عتبة، أسلم وهاجر مع رسول الله ﷺ.
وكذلك خاف بعضهم من شجاعة هذه الطائفة، لما رأوا أنهم لا ملجأ لهم في هذه الحرب إلا سيوفهم، فعرف المشركون أن المسلمين سيقاتلون بضراوة كأنها آخر معركة في الحياة.
لكن غطرسة كبيرهم أبي جهل وكبريائه حالت دون تلك المعارضة، فتعجل للقوم حتى لا تقوى هذه المعارضة، وبعث إلى عامر بن الحضرمي وكان قد قُتل أخوه من قبل في سرية عبد الله بن جحش من طرف المسلمين. وكان يريد أن يأخذ بثأر أخيه.
فأبلغه أبو جهل أن القوم يريدون الرجوع دون ثأر أخيه عمرو، فصرخ عامر في الناس: واعمراه، واعمراه. فحمي القوم وتحمسوا للقتال واستوثق الشر في نفوسهم. فوجب القتال والمناجزة.
التقاء الجيشين في غزوة بدر
وطلع المشركون وتراءى الجمعان، وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا طائشا شرسا سيء الأخلاق، حلف بالله أن يشرب من حوضهم أو يهدمه أو يموت دونه، ولما خرج خرج إليه حمزة رضي الله عنه، فالتقيا فضربه حمزة في قدمه فوقع على ظهره وقدمه تنضح بالدم، فحبا إلى الحوض حتى سقط فيه، فزاده حمزة ضربة أخرى وهو داخل الحوض فمات.
وخرج بعدها ثلاثة من خيرة فرسان قريش، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة. وطلبوا المبارزة فخرج لهم ثلاث شبان من الأنصار الأكفاء، عوف ومعوذ ابنا الحارث وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم.
فرفض الثلاثة المشركون هؤلاء وأرادوا بني عمهم. فأمر رسول الله ﷺ عبيدة بن الحارث وحمزة وعليا رضي الله عنهم. فبارز عبيدة عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد.
فقتل حمزة وعلي شيبة والوليد من فورهما، أما عبيدة فاختلف ضربة هو وعتبة فأثخن كل واحد منهما الآخر، وكر علي وحمزة على عتبة فقتلاه. ثم مات عبيدة في الطريق إلى المدينة بعد خمسة أيام من الوقعة.
بداية المعركة الشرسة
فكانت نهاية هذه المبارزات الثلاثة التي أودت بحياة 3 من خيرة فرسان قريش سببا لاستشاطة غضب المشركين فاندفعوا نحو المسلمين اندفاعة رجل واحد.
أما المسلمون فقد التزموا مواقعهم واتخذوا موقف الدفاع مخلصين إلى ربهم مستنصرين به، فتلقوا هجمات المشركين المتتالية بضراوة، وألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وكان شعارهم في تلك المعركة: أحد أحد.
دعاء الرسول ﷺ في غزوة بدر
وكان رسول الله ﷺ في تلك اللحظات العصيبة وقد حمي الوطيس واشتد دوران رحى الحرب يناشد ربه ويدعو الله ويلح على الله جل في علاه.
روى ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما:
” لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: {اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ}، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأمَدَّهُ اللَّهُ بالمَلَائِكَةِ.
نزول الملائكة في غزوة بدر
فأمد الله رسوله ﷺ وعباده المؤمنين بألف من الملائكة، فنصرهم الله نصر عزيز مقتدر، فنزل جبريل عليه السلام آخذا بعنان فرسه يقوده كما وصفه رسول الله ﷺ.
وخرج رسول الله ﷺ من مقر قيادته وكان يقول: { سيهزم الجمع ويولون الدبر} القمر 45. وأخذ حفنة من الحصى فرمى بها اتجاه وجوه المشركين وقال: ((شاهت الوجوه)). فأصاب من تلك الحفنة جميع من كان في المعركة من المشركين، وفيها أنزل الله:
{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} الأنفال 17.
ثم حرض رسول الله ﷺ المجاهدين على الهجوم والشدة فيه، ووعد المجاهدين الصابرين المحتسبين المقبلين على القتال غير المدبرين بالجنة، وكان يقول لهم:
((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)).
هروب ابليس يوم بدر
ولما اشتد المسلمون على الكافرين بالقتال، وتحمسوا لما رأوا رسول الله ﷺ يعدهم بالنصر وبالجنة، ونصرتهم الملائكة وصارت الرؤوس تقطع والصفوف تقلب، خارت عزائم المشركين وقواهم، وحينها انسحب إبليس الذي كان في صورة سراقة بن مالك لما رأى الملائكة، ففر حتى ألقى نفسه في البحر.
هزيمه المشركين الساحقة في غزوة بدر
حينها تبددت عزائم المشركين، وتفرقت الصفوف، وبدأ أعداء الله يفرون، وكان أبو جهل عدو الله يحض الناس على الإقدام، لكن هيهات أن يصمد الكفار أمام أفضل ثلة مرت على البشرية بعد الأنبياء، وبقيادة خير الخلق أجمعين. وبنصرة ملائكة الرحمان الكرام.
من هما الغلامان اللذان قتلا أبا جهل
ولما بدأ المشركون بالفرار، كانت طائفة منهم تريد حماية أبي جهل لألا يقتل، لكن المسلمين هاجوا تجاهه، وقد بدى مكانه والمشركون يدافعون عنه.
وكان هناك غلامان من الأنصار سألا الصحابي الجليل عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه عن مكان عدو الله أبي جهل. وكانا حازمين في إرادة قتله، فأراهما عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنهما إياه.
فلا زالا به حتى ابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، فضربه أحدهما وهو معاذ بن عمرو بن الجموح ضربة أطارت قدمه، فضرب ابن عكرمة على عاتق الغلام فأطاح بيده.
ثم أتاه الثاني وهو معوذ ابن عفراء رضي الله عنه فضربه حتى أثبته. ثم قاتل معوذ هذا حتى قتل. رضي الله عنه وأرضاه وأسكنه مع زمرة الشهداء والأبار.
فما بقي في أبي جهل غير الرمق الأخير، فأتاه عبد الله بن مسعود بعد انتهاء المعركة وفيه رمق أخير فوضع رجله على عنقه وتكلم معه كلاما، ثم جز رأسه وأتى به رسول الله ﷺ، فكبر رسول الله ﷺ على مقتل عدو الله.
فوز المسلمين في معركة بدر
وانتهت هذه المعركة العظيمة الطاحنة بفوز سحيق للمؤمنين الصابرين المحتسبين، بنصر من الله وإمداد بالملائكة المنزلين.
ماهي السورة التي تتحدث عن غزوة بدر
جرى ذكر غزوة بدر في سورة آل عمران إذ قال الله تعالى فيها:
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} آل عمران.
وأما أحداث غزوة بدر كالآيات التي تحدثت عن أن الشيطان تمثل للمشركين وقال لهم إني جار لكم، والتي تحدثت عن نزول الملائكة فهي في سورة الأنفال.
عدد قتلى و شهداء بدر
استشهد من المسلمين 14 شهيدا فقط، 6 من المهاجرين و8 من الأنصار.
أما من المشركين فقد قتل منهم سبعون رجلا عامتهم من كبار قريش وأشرافها، وأسر منهم سبعون آخرون.
نتائج غزوة بدر الكبرى
أدت غزوة بدر الكبرى إلى نتائج مهمة جدا للمسلمين، أهمها:
- كسر شوكة المشركين من قريش بين العرب.
- موت ثلة من أشراف قريش وكبرائها في معركة واحدة، وأهمهم أبو جهل بن هشام.
- فرح المؤمنين بنصر الله وتثبيتهم وتعزيز إيمانهم وقوتهم.
- بداية ظهور نور الإسلام وعزته.
- تحقق نبوءات الرسول الرسول ﷺ وما وعده لعباد الله المؤمنين.
ختاما
إن غزوة بدر الكبرى من أهم الغزوات في الإسلام، وهي أول حرب يخوضها المسلمون ضد كفار قريش، فقد كانت بدر بداية النصر للإسلام وبداية العزة، ثم حدثت بعدها غزوات أخرى مثل غزوة أحد والخندق وغيرهما، وتلك الثلة التي كانت في بدر هم خيرة ما أنجبت أمة محمد ﷺ، وكل من شهد بدرا دعا له رسول الله ﷺ بالخير، وكانت هذه الثلة يشهد لهم بالخير فقط لأنهم شهدوا يوم بدر.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر
القرآن الكريم.
السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-
كتاب الرحيق المختوم