بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فإن يوم عاشوراء يوم عظيم، وهو يوم العاشر من شهر الله المحرم، أول أشهر السنة الهجرية، وشهر الله المحرم من الأشهر الحرم، التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعظمها وأن لا نظلم فيهم أنفسنا. وعاشوراء يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه، ولنا فيه سنة سنها لنا رسول الله ﷺ، وهي الصيام. فكيف يكون صيام يوم عاشوراء؟ وما هو موعد يوم عاشوراء لهذه السنة 2021 الموافقة ل1443هـ؟ وما هو فضل صيام هذا اليوم العظيم؟ وهل يجوز صومه منفردا أم يجب قرنه بيوم قبله أو بعده؟ وهل تشرع فيه أعمال أخرى من غير الصيام؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه إن شاء الله تعالى في هذا المقال.
موعد يوم عاشوراء 2021 الموافق لـ 1443 مصر
إن موعد يوم عاشوراء في مصر لهذه السنة 2021 / 1443 سيكون إن شاء الله تعالى موافق يوم الأربعاء 18 أغسطس(8) 2021 في مصر.
وإن يوم تاسوعا يوافق يوم الثلاثاء 17 أغسطس 2021 للعام الهجري 1443
هذا بعد ان أعلنت دار الإفتاء المصرية، بثبوت رؤية هلال شهر المحرم، وأن يوم الإثنين 9 اغسطس هو الأول من محرم وبداية السنة الهجرية الجديدة من خلال هذا البيان
موعد يوم عاشوراء 2021 في السعودية للعام الهجري 1443
بناء على ما أعلنته المحكمة العليا في السعودية. يوافق يوم عاشوراء لهذا العام يوم الخميس 19 أغسطس 2021
وقد أعلنت المحكمة العليا في السعودية أن يوم الاثنين 9 أغسطس 2021 هو المكمل لشهر ذي الحجة 1442 هـ . وأن يوم الثلاثاء 10 أغسطس هو أول أيام محرم وبداية العام الهجري الجديد 1443 من خلال هذا البيان
والسنة أن يصام معه يوم إما قبله وإما بعده وعلى هذا فالصيام يكون يومي الأربعاء والخميس أو الخميس والجمعة
صيام يوم عاشوراء
لقد كانت العرب في الجاهلية تعظم يوم عاشوراء، فتستر فيه الكعبة وتصومه، وكان يصومه النبي ﷺ وهو في مكة، ثم لما هاجر للمدينة النبوية وجد اليهود يصومونه، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:
قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: {فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ}، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ. رواه البخاري.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:
أَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِن أسْلَمَ: أنْ أذِّنْ في النَّاسِ: أنَّ مَن كانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فإنَّ اليومَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. رواه البخاري.
فصام رسول الله ﷺ عاشوراء وأمر الناس بصيامه وجوبا، فقد كان صيامه واجبا قبل أن يفرض صوم رمضان، ولكن لما فرض صيام رمضان على الأمة الإسلامية، نسخ وجوب صيام عاشوراء، وخطب النبي ﷺ في الناس فقال (الحديث رواه أبو سفيان رضي الله عنه):
هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ولَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ علَيْكُم صِيَامَهُ، وأَنَا صَائِمٌ، فمَن شَاءَ، فَلْيَصُمْ ومَن شَاءَ، فَلْيُفْطِرْ. رواه البخاري ومسلم.
ولا زال النبي ﷺ يصوم هذا اليوم العظيم إلى أن توفاه الله صلى الله عليه وسلم. ولكن في آخر سنة في حياته ﷺ، ولما عاد من حجة الوداع وصام عاشوراء كما هي العادة في اليوم العاشر قال له بعض الصحابة: إنه يوم تعظمه اليهود.
وقالوا له هذا لأنهم يعلمون أن النبي ﷺ يحب مخالفة اليهود، فقال لهم ﷺ (الحديث رواه ابن عباس رضي الله عنه):
لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ. رواه مسلم.
لكنه مات ﷺ مات قبل أن يدرك عاشوراء. وكذلك جاء عنه ﷺ أنه قال عن يوم عاشوراء:
خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله ويومًا بعده. رواه أحمد والبيهقي.
ولكن صيام يوم قبله ويوم بعده، أي صيام التاسع والعاشر والحادي عشر فهذه رواية لم تثبت عن النبي ﷺ.
فضل صيام عاشوراء وتاسوعاء
إن الإنسان المسلم إذا صام يوم عاشوراء فإنه يحصل أربعة فضائل:
- أجر الصيام في سبيل الله، وأجر الصيام أجر عظيم، وقد ثبت فيه حديث قدسي، قال تعالى في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.
- القيام بحق نبي الله ورسوله موسى عليه السلام، وهذا يدل عليه قول النبي ﷺ الحديث أنه أحق بموسى عليه السلام من اليهود، وأننا (أمة محمد) أحق بموسى عليه السلام من اليهود.
- الاستنان بسنة النبي ﷺ التي لم يتركها إلى أن مات ﷺ. والاقتداء برسول الله ﷺ فيه أجر عظيم جدا، كيف لا ونحن مأمورون بطاعته والتأسي به. قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} الأحزاب.
- تكفير صغائر السنة الماضية التي قبل يوم عاشوراء، فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: {أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله}. فالإنسان إذا صامه يرجو أن يغفر الله عز وجل له صغائر الذنوب في تلك السنة التي قبله إذا تقبل الله صيامه مصداقا لوعد النبي ﷺ وهو الصادق المصدوق.
وحقيق بالإنسان إذا استطاع أن يصوم هذا اليوم أن يفعل، فإذا كان الإنسان صحيحا سليما، فلما يفوت عليه هذا الفضل العظيم؟ نسأل الله أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته.
حكم صيام عاشوراء منفردا
عند جمهور أهل العلم أن صيام يوم عاشوراء منفردا جائز، وهو ما رجحه الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله، ولكنه قال:
“والأفضل والأكمل للمؤمن والأبرأ لذمته أن يصوم التاسع والعاشر، فإن هذا هو الذي رجاه النبي ﷺ، فإن لم يتيسر له فصام العاشر والحادي عشر فهذا أمر حسن تحصل به مخالفة اليهود بأن يضم يوم في الصيام إلى يوم عاشوراء، وورد فيه الحديث. “
وقد مات ﷺ وهو يصوم العاشر دون أن يصوم يوما معه، وهذا مما استدل به من قالوا بالجواز من الجمهور. لكن لا ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك متعمدا إذا استطاع أن يصوم يوما قبله أو بعده.
أعمال يوم عاشوراء
المشروع في عاشوراء هو الصوم فقط وليس غيره، ولا يشرع فيه الاحتفال والفرح، وكذلك في الجهة المقابلة لا يشرع فيه الحزن والنواح وما إلى ذلك، وهناك قاعدة فقهية تقول: “كل ما ربط بعبادة يأخذ حكمها”.
فيوم عاشوراء مرتبط بعبادة الله، فلا يقال أن الاحتفال به والفرح فيه عادة تصح وأن فيها توسعة، الأمر في العبادات توقيفي. وليس لنا عيد كمسلمين إلا عيدا الفطر والأضحى، فما عدا هذين العيدين فيعد من أعياد الجاهلية كما قال العلماء.
أعمال منتشرة لا تصح في يوم عاشوراء
يتقصد كثير من الناس هداهم الله في يوم عاشوراء عمل أعمال معينة معتقدين أنهم يتقربون بذلك إلى الله أو أنها أعمال مشروعة فيه، ومن ذلك:
- الاغتسال يوم عاشوراء، لا يصح الاعتقاد بأن الاغتسال يوم عاشوراء أمر مشروع، ولكن لا نقول أنه لا يجوز، فإذا صادف أن الإنسان أراد أن يغتسل يوم عاشوراء يفعل كما هو في سائر الأيام ما دام لا يعتقد أنه أمر مشروع.
- تخصيص أطعمة وألبسة معينة في عاشوراء دون غيره من الأيام، فهذا أيضا لم يشرع في ديننا، إذ أن يوم عاشوراء لا يتميز عن غيره من الأيام شرعا إلا بالصيام كما ذكرنا.
- تبادل التهاني في عاشوراء، وهذا كذلك من البدع المحدثة.
- الحزن والبكاء والتضارب كما يفعل بعض المسلمين كل عام، فإن هذا من البدع المنكرة المحدثة، التي لا يجوز لنا أن نفعلها.
ختاما
فالخلاصة في هذا الأمر أن كل ما يصح في يوم عاشوراء هو الصيام لا غيره، فعلى الإنسان أن يجتهد بصيام يوم العاشر وصيام يوم التاسع، فإذا لم يستطع فيصوم يوم العاشر ويوم الحادي عشر، وإن لم يستطع فيصوم يوم عاشوراء فقط، وإن لم يستطع فلا يصوم ولا شيء عليه.
هذا والعلم عند الله تعالى، ونسأله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفقهنا في الدين، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ونسأله جل وعلا أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا لصوم هذين اليومين عاشوراء وتاسوعاء إن شاء الله تعالى وإن كنا من الأحياء فيه.
هذا وصل اللهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مصادر
السنة النبوية الصحيحة (موقع الدرر السنية).
موقع الشيخ ابن باز رحمه الله
شريط بعنوان: “المشروع في يوم عاشوراء الشيخ سليمان الرحيلي”. من اليوتيوب.