يدخل السؤال عن متى توفيت أم الرسول “آمنة بنت وهب”، وكم كان عمره؟ ضمن الأسئلة التي يرغب الكثير من المسلمين في التعرف عليها، كأحد صور التعرف على نشأة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ونشأته وطفولته قبل البعثة النبوية، خاصة أن هذه الفترة من حياته غير معروف لدى الكثيرين على عكس ما بعد البعثة ونزول الوحي.
وينتاب البعض الفضول عن نشأة خاتم المرسلين، ومَن هما والديه؟ ومتى توفيا؟ والكثير من التساؤلات الأخرى التي سوف نحاول توضيحها بالتفصيل، كما وردت في السيرة النبوية، وأوضحها أهل التاريخ الإسلامي.
مَن هي السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
يعود نسب السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى واحدة من كبار عائلات قبيلة قريش في مكة، والتي كان يُعرف عنها الشرف العريق والأخلاق والأدب، وهي قبيلة زهرة بني كلاب، والتي كان سيدها “وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان” والد السيدة امنة.
كما كانت أمها سيدة قبيلة زهرة بني كلاب، وكان اسمها برة، وكان اسمها كاملًا “برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان”.
كانت السيدة آمنة تُعرف باسم آمنة القرشية، وكانت كُنيتها “زهرة قريش”، وعلى الرغم من أن والديها ظلا على قيد الحياة حتى كبرت إلا أن عمها “وهيب بن عبد مناف” هو مَن تولى تربيتها حتى أصبحت فتاة جميلة، يقال إنها كانت الأجمل في قريش كاملة، لذلك تهافت عليها الخطاب.
زواج السيدة آمنة بنت وهب ووفاة زوجها
وفقًا لأهل العلم، وما ورد في التاريخ عن السيدة آمنة أم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإن عبد المطلب بن بن هاشم بن مناف، سيد قومه وقتها، قد تقدم لطلب يد آمنة لابنه الأحب والأقرب إلى قلبه عبدالله، ووافق وقتها أباها وهب بن مناف.
لم يرد تاريخ محدد عن وقت زواج آمنة بن وهب أم الرسول ووالده عبد الله بن عبد المطلب، وكل ما تم ذكره في التاريخ أنها تزوجت قبل أن تبلغ العشرين، بينما كان هو قد تخطى هذا العمر، وعند عقد قرانه عليها مكث عندها ثلاث أيام فقط، كما كانت العادة أيام الجاهلية ثم اتجه بعد ذلك من مكة إلى غزة في بلاد الشام مع إحدى القوافل التجارية.
قبل أن يسافر عبدالله بن عبدالمطلب إلى رحلته التجارية، كانت السيدة آمنة قد حملت في الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأثناء عودة عبد الله بن رحلته التجارية، مرض مرضًا شديدًا، وهو ما جعله يمكث عند أخواله “بني النجار” في المدينة المنورة لحين شفائه، ولكنه توفي بعد شهر واحد فقط وتم دفنه هناك، وكان عمره وقتها خمسة وعشرين عامًا.
حمل السيدة آمنة بن وهب في الرسول وميلاده
بعد وفاة زوج السيدة آمنة بن وهب علمت بحملها بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد روت إنها قد رأت في منامها مَن يخبرها بأنها تحمل في أحشائها بسيد هذه الأمة، فإذا وقع الأرض تقول “أعيذه بالواحد من كل شر وحاسد”، وأمرها أن تسميه محمد.
أكملت أم الرسول حملها في دار أبي طالب، حتى بلغت شهرها التاسع وحان وقت الوضع، وكانت أم عبد الرحمن بن عوف، الذي أصبح أحد صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك ومن العشرة المبشرين بالجنة، هي التي تولت ولادته.
تعرف على: جميع اسماء الانبياء بالترتيب وعددهم ومعجزاتهم.
اقرأ معنا أيصًا: المعجزات التي حدثت في مولد النبي ﷺ و طفولته – مولد الرسول ﷺ و طفولته.
هل رضع النبي من أمه آمنة بن وهب؟
على الرغم من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قام بإرضاعه أكثر من مرضعة، إلا أن المرجح في التاريخ أن أول مرضعاته كانت أمه السيدة آمنة بنت وهب، ولكن في الجاهلية كان من المعتاد أن يجلب أشراف القوم مرضعات لأطفالهن ولا يقومن بإرضاعهن بنفسهن.
لذلك جلبت أم النبي له أكثر من مرضعة، كانت أولهن بعدها ثويبة “مولاة عمه أبي لهب”، ثم كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية المرضعة الثالثة له، وكانت الأخيرة امرأة تعود إلى بني سعد لم يتم التعرف على اسمها، وكانت وقتها المرضعة الخاصة بعمه حمزة بن عبدالمطلب، فقامت بإرضاعه معه.
متى توفيت أم الرسول؟ وأين؟
جاء عن بعض أهل العلم المختصين في تاريخ حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة النبوية وبعدها، أن أمه السيدة آمنة بن وهب قد توفت وهي بعمر العشرين في مكان يُعرف باسم الأبواء المتواجد بين مكة والمدينة المنورة عندما كانت عائدة من زيارة قبر زوجها، وتم دفنها هناك.
الجدير بالذكر أنه لا يوجد تاريخ محدد خاص بوفاة أم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن وفق عمر الرسول الذي حدده العلماء، فإن التاريخ عندما ماتت السيدة آمنة بنت وهب كان 47 قبل الهجرة، و 577 ميلاديًا.
كم كان عمر النبي عندما ماتت أمه؟
أما عن عمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقت وفاة أمه، فيوجد به خلاف بسيط، حيث ذكر ابن عبد البر في كتابه “الاستيعاب” أنه -عليه الصلاة والسلام- يبلغ السادسة من عمره، بينما ذكر ابن كثير في كتابه “البداية” أن عمره كان سبعة سنوات.
ورجح أهل العلم أن خاتم المرسلين وسيد الخلق أجمعين كان قد تخطى السادسة وقارب على عمر السابعة.
قد يهمك الاطلاع على: من الذي غسل الرسول ﷺ وكفنه بعد موته.
مَن كانت مع الرسول عند وفاة أمه؟
ذكر المؤرخون في التاريخ الإسلامي أن السيدة آمنة أم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد رحلت به عندما بلغ عامه السادس إلى دار النابغة في يثرب “اسم المدينة المنورة قديمًا” لزيارة أخوال والده بني النجار حتى يتعرف عليهم ويعرفونه، ومكست عندما شهرًا كاملًا وقامت بزيارة قبر زوجها “عبدالله بن عبدالمطلب”.
كانت معها في هذه الرحلة “أم أيمن” مربيته الخاصة، وعند عودتهم إلى مكة، وأثناء هذه الرحلة، وفاة آمنة بنت وهب المنية في الأبواء قبل دخول المدينة، وتم دفنها هناك، وعادت أم أيمن حاضنة الرسول إلى مكة وأعطته لعمه عبد المطلب الذي تولى تربيته.
مَن تولى رعاية الرسول بعد وفاة أمه؟
كانت السيدة آمنة بنت وهب شديدة الحب والاعتناء بابنها محمد أثناء حياتها، وقد سعت طوال الوقت إلى تقريبه من أهل والده، وأوصت أن يكون عمه “عبد المطلب بن هاشم” سيد قومه آنذاك، والذي ذهبت إليه أم أيمن بالفعل بعد وفاة أمه ورباه مثل أولاده، بل أنه أحبه حبًا شديدًا أكثر من أولاده وأحسن تربيته.
وظل حب عبد المطلب مصاحبًا للرسول حتى بعد البعثة النبوية، وظل مدافعًا عنه أمام الكفار، ولكنه لم يؤمن برسالته الشريفة ومات على الكفر.
ما هي ديانة أم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم؟
لم يثبت في التاريخ أن أم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كانت من الموحدين، بل إنها كانت تؤمن بما يؤمن أهلها وقتها، وهم كانوا من المشركين الذي يعبدون الأصنام وليس لهم آله واحد، ولا يوجد إثبات على إنها مؤمنة بأي دين سماوي من المسيحية أو اليهودية.
واجتمع أهل العلم أن السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول لم تكن مسلمة لأنها قد توفيت قبل البعثة النبوية والدين الإسلامي.
فيما يوجد رأي آخر يفيد بأن أم النبي كانت من أصحاب الفترة الذين ماتوا قبل البعثة النبوية الشريفة، والذين وردت فيهم العديد من الآيات عن أنهم سوف يمتحنون يوم القيامة، فإن نجحوا دخلوا إلى الجنة وإن عصوا ورفضوا دخلوا النار.
تعرف على: سنن الرسول ﷺ في الحياة اليومية.
هل آمنة أم الرسول في النار؟
يوجد خلاف واسع في هذه المسألة، إلا أن الجمهور منهم قد ذهب إلى أن آمنة بنت وهب أم الرسول من أهل النار، وذلك لأنها لم تكن من الموحدين وماتت قبل أن يُبعث النبي محمد برسالة الإسلام إلى الناس جميعًا، واستند هؤلاء في حكمهم هذا على الحديث الصحيح الوارد، الذي يقول:
روى الإمام مسلم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنه قال: “زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: “استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم بالموت”.
كما ورد حديث آخر يفيد بأن أبو النبي محمد وأمه في النار، والذي يقول:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس” “أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال إن أبي وأباك في النار”، وجاء بنص آخر، وهو: “.. يا رسول الله أين أمي ..”.
وقال العلماء، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم– لم يُنهى عن الاستغفار لأحد سوى الكافرين من أهل النار، والذين لم يؤمنوا برسالته، والدليل على ذلك قوله تعالى:
هل أم الرسول “آمنة بنت وهب” من أهل الفترة؟
ذهب البعض من العلماء إلى أن آمنة بن وهب أم الرسول لن تكون من أصحاب النار، بل إنها سوف تعامل يوم القيامة مثل أصحاب الفترة الذين ماتوا قبل البعثة النبوية، ويوم القيامة يأمر الله هؤلاء بالذهاب إلى النار، فإن أطاعوا ادخلهم الله جنات النعيم، وإن عصوا دخلوا النار، وهذا امتحان عقيدتهم وإيمانهم بالله الواحد الأحد.
وقد استند هؤلاء العلماء على القرآن الكريم الذي ورد به أكثر من آية توضح أن أصحاب الفترة الذين ماتوا قبل بعثة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ليسوا من أصحاب النار، مثل:
(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).{ سورة الإسراء: 15}.
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) {سورة طـه: 134}.
كما أكد هؤلاء على رأيهم هذا، وأن قريش لم يأتهم رسول من عند الله قبل خاتم المرسلين “سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-“، على الآيات القرآنية التي يقول فيها المولى -عز وجل-:
(… لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ). {سورة يــس: 6}.
(… لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).{ سورة السجدة: 3}.
(… وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ). {سورة سبأ: 44}.
رجح الحافظ “ابن كثير” -رحمة الله عليه-، أنه لا يوجد خلاف بين الأحاديث النبوية الشريفة التي تفيد بأن أبويه في النار أو إنهما من أصحاب الفترة مثلما ورد في القرآن الكريم، بل أنه يمكن الجمع بينهما، والترجيح بأن الله -سبحانه وتعالى- قد أخبر رسوله، أن أبويه من أصحاب الفترة ولكنهما لن يطيعوا ويؤمنوا عندما يمتحنون يوم القيامة، لذلك هم من أصحاب النار.
اقرأ أيضًا: هجرة الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة ،أحداث الهجرة النبوية ومعجزاتها.