ماهي كتب الرقائق والمواعظ وأفضل الكتب لإصلاح القلوب

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، أما بعد: فإن الله خلق الإنسان وخلق فيه مضغة في صدره، مضغة عليها مدار حياته، كما قال نبينا صلوات ربي وسلامه عليه: {ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ.} رواه مسلم. هذا القلب تعتريه أحوال وتقلبات، وهو كما قال ﷺ أيضا: {إنَّ القُلوبَ بينَ إصبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ} صححه الألباني. فهذا القلب هو مدار الحياة في صلاح الإنسان وفساده، كما هو مدار الحياة البيولوجية، إذا كان القلب ينبض ويرسل الدم للأعضاء بقي الجسم على قيد الحياة، وبين القلوب تفاوت في القوة، وإذا توقف القلب عن النبض توفي الإنسان وصار لا حياة له، فهلا سألنا أنفسنا: ما دمنا أحياء الحياة البيولوجية بحياة قلوبنا ونبضها، فهل نحن أحياء حياة الإيمان؟ هل قلوبنا تنبض بالإيمان؟ وما مقدار حياة قلوبنا في هذا الباب؟ وكيف السبيل إلى إصلاحها وبث الحياة فيها بعد الضعف والموت؟ وأفضل السبل لإعادة الحياة إلى القلوب المواعظ والرقائق المستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لذلك يسأل الكثير من الناس هذا السؤال: ماهي كتب الرقائق والمواعظ وأفضل الكتب لإصلاح القلوب؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال إن شاء الله جل وعلا.

محتوي المقال

أولا: ما هي الرقائق في الاسلام ؟

الرقائق هي مصطلح شرعي يطلق على المواضيع والكتب التي ترقق القلوب وترغب في الطاعات وتنفر من المعاصي وتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة، وكلمة رقائق في اللغة جمع رقيقة، وأطلقت على هذه الموضوعات لأنها ترقق القلب وترغبه في الخير وتنفره عن الشر.

أهمية الرقائق والمواعظ

إن الرقائق والمواعظ من دين الله عز وجل، ففي القرآن الكريم وسنة رسول الله ﷺ توجد الكثير من المواعظ الجليلة، فالإنسان بطبيعته يرق قلبه عند سماع الموعظة، ويغلظ قلبه ويقسى بالابتعاد عن تذكر هذه الأمور من أمور الآخرة ومن شأن حال المؤمنين وسعادتهم في الدنيا والآخرة وشقاء الفساق وإن كانوا في نعيم من الدنيا.

وإن اتعاظ القلب ورقة قلب المؤمن إنما تحصل بمعرفتين كما قال العلماء:

الأولى معرفة الله بأسمائه وصفاته وجلاله وجماله، وما تتضمنه هذه الأسماء والصفات من معاني الرحمة بالعباد والرأفة بهم، وكذلك معاني عظمة الله عز وجل وملكه الذي لا يبلى وجبروته وأنه هو القوي الجبار، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. وما يكون من جزائه تنعيما أوعقابا بجنة أونار، وأحوال الآخرة وأهوال يوم القيامة وحال المؤمنين في جنات الخلود وأحوال الكافرين في نار جهنم وسائت مصيرا.
والثانية معرفة العبد نفسه، ما يطرأ عليها من تغيرات من إقدام وإحجام، وإقبال وإدبار، وما يعتري القلب من أمراض وأدواء وأحوال، وما يقع في النفس الإنسانية من خير وشر، وما يكون من شأنه مع النفس الأمارة والنفس المطمئنة، وما يكون من حظ إبليس وجنده من نفسه، وما يحتاجه الإنسان من تسلح بذكر الله عز وجل وطاعات واجتناب معاصي ليدفع بها البلاء ويقوي بها نفسه فيحقق بذلك طاعة رب الأرباب جل في علاه، ويفوز بها بجنة عرضها السماوات والأرض، ويعيش بها حياة سعيدة هانئة مطمئنة بما علم من حقارة شأن الدنيا وعلو شأن الآخرة، وبما أحسن ظنه بربه وعلم أنه لا خير إلا فيما اختاره الله، وما من شر إلا ونهاه عنه وباعد بينه وبين ذلك ما أخلص نياته وأعماله للعز الواحد القهار.

وهذا من أعظم الأمور التي يحتاجها الإنسان المسلم، فقلة معرفة الإنسان ربه أولا، ثم أحواله النفسية ثانيا يجعل الجمود والقساوة في قلبه والغلظة في طبعه، فعلى الإنسان المسلم وخاصة طالب العلم أن يقرأ من كتب الرقائق والزهد وإصلاح القلوب مرة بعد مرة، وأن يعلم أنه يحتاجها بشدة، وهذا ما قرره العلماء بداية من سلف الأمة إلى يومنا هذا.

قراءة كتب الرقائق والمواعظ دأب العلماء الكبار

وكان بعض العلماء الأجلاء لا يتركون قراءة أمثال هذه الكتب، وخاصة كتابا الزهد للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أو الذي يعرف أيضا بالداء والدواء لابن قيم الجوزية، حتى كان بعضهم لا يختم الكتاب إلا وقد رجع لقراءته مرة أخرى من أوله. فكانت هذه الكتب رائجة جدا عند العلماء، وكان دأبهم الدائم هو الرجوع لهذه الكتب وعدم الاستغناء عنها لأهميتها في حياة الإنسان وكل شؤونه.

ماهي كتب الرقائق والمواعظ وأفضل الكتب لإصلاح القلوب؟

القرآن الكريم أفضل كتب الرقائق والمواعظ على الإطلاق

أولا، نقول أنه لا يوجد أفضل من كتاب الله عز وجل كتابا للمواعظ والرقائق وإصلاح القلوب، فهو كلام الله عز وجل، وتلاوته في حد ذاتها شفاء لما في الصدور، كيف لا والله عز وجل يقول فيه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} من الآية 44-فصلت. وقال أيضا: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34)} النور. فهذا الكتاب العظيم الذي هو كلام عز وجل لا ريب فيه، وهو هدى ورحمة وشفاء وموعظة للمؤمنين المتقين المخلصين لله عز وجل.

فأفضل ما يفعله المرؤ لترقيق قلبه وأخذ الموعضة هو قراءة كتاب الله عز وجل، وتدبر آياته ومعانيه، وما الكتب التي سنذكرها لاحقا إلا كتب مستقاة من كتاب الله عز وجل، مبينة لآياته مفسرة لها، وما يقرؤها المؤمن وما كتبها العلماء وما شرحوها إلا لأنها خلاصة فهم عميق لكتاب الله عز وجل.

كتب السنة أفضل كتب الرقائق والمواعظ بعد كتاب الله

وبعد كتاب الله عز وجل تأتي السنة النبوية الشريفة، والتي هي أيضا تفسير وبيان لكلام الله عز وجل، والله تعالى يقول لرسوله الكريم ﷺ: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} النحل. وهذه الآية من الآيات التي يستدل بها العلماء على أن السنة مفسرة للقرآن.

وكثير من كتب الرقائق والمواعظ ما هي إلا جمع لأحاديث النبي ﷺ في هذه المواضيع، ومن أشهر الكتب التي يذكرها العلماء وهي كتب جامعة لسنة النبي ﷺ:

رياض الصالحين. للنووي رحمه الله.الرابط: (اضغط هنا.) {حجم الملف: 12 ميجا بايت}
الترغيب والترهيب لعبد العظيم المنذري رحمه الله، وهذا الكتاب قد حققه شيخنا الألباني رحمه الله تعالى فأخرج الأحاديث الصحيحة منه والضعيفة، والأفضل العودة للكتاب المعروف ب: صحيح الترغيب والترهيب. الذي هو خلاصة تحقيق الشيخ الألباني رحمه الله للأصل. (الرابط: اضغط هنا) {حجم الملف 31 ميجا بايت).

كتب الرقائق والمواعظ وأفضل الكتب لإصلاح القلوب

وفي هذا الباب الكثير من الكتب، منها الصعب والسهل، ومنها المطول والمختصر، وأهمها:

“الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي” لابن قيم الجوزية رحمه الله، وهو من أعظم الكتب في هذا الباب، وهذا الكتاب كتبه مؤلفه إجابة عن سؤال سائل سأل العلامة ابن القيم رحمه الله عن السبيل إلى دفع بلاء أصابه، فأجابه بهذا الكتاب الذي صار بعد ذلك كتابا منتشرا بين الناس انتفع به خلق كثير، وينصح به الكثير من العلماء، وفيه شروحات عدة نذكرها بعد ذكر الكتب إن شاء الله تعالى.(الرابط: اضغط هنا)
كتاب الزهد. للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)
مدارج السالكين. لابن قيم الجوزية. (الرابط: اضغط هنا)
طريق الهجرتين وباب السعادتين. لابن قيم الجوزية. (الرابط: اضغط هنا)
الزهد والرقائق لابن المبارك رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)
التبصرة لابن الجوزي رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)
تلبيس إبليس لابن الجوزي رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)
الكتب المسماة ب: كتاب الزهد. وقد ألف بهذا الاسم عدة علماء خاصة من السلف، ومنهم: ابن أسد بن موسى، ابن أبي عاصم، وكيع بن الجراح، هناد بن السري، ابي بكر البيهقي، أحمد بن حنبل….
مصنفات ابن أبي الدنيا، وهي عدة كتب، فقد كان ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى من أكثر العلماء الذين اهتموا بهذا الموضوع، ومن مصنفاته: الزهد، اصطناع المعروف، الأهوال، الأولياء، الإخلاص والنية، التوبة، مكائد الشيطان… (الرابط: اضغط هنا)
لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان رحمه الله. (الرابط: اضغط هنا)

مدارسة كتب الرقائق والمواعظ مع طلبة العلم أفضل من قرائتها منفردا

كما يوصي العلماء أيضا أنه من الأفضل للإنسان أن يتدارسها إن استطاع مع طلبة العلم أو العلماء الأكفاء الذين يعلمون من الشريعة القدر الذي يجعلهم يفهمون ما فيها، لأن فهم أحوال النفس يحتاج لفهم كبير وعميق للشريعة حتى يستطيع بها طالب العلم فهم أحوال النفس والقلب، وخير دليل على ذلك أن من لمع نجمه في هذه المواضيع ما هم إلا جهابذة العلماء أمثال الإمام أحمد بن حنبل وابن قيم الجوزية وابن تيمية وابن رجب وغيرهم من أكبر علماء هذه الأمة سلفا وخلفا وأجلهم قدرا وأكثرهم علما.

فطالب العلم المتمكن إذا جلست معه أو استمعت له في شرحه لمثل هذه الكتب تجده يتفطن لما لا تتفطن له أنت، وينبهك على المسائل ويوجهها لك التوجيه الصحيح حتى لا تفهم فهما خاطئا فتقع في أمور لا تحمد عقباها، فليس أخطر على الإنسان من سوء الفهم والجهل المركب (الذي هو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الحقيقة).

شرح كتاب الداء والدواء للشيخ عبد الرزاق البدر

ومن أفضل الشروحات المقترحة لكتاب الداء والدواء لابن قيم الجوزية، شرح الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى، وهو عالم وابن عالم، من علماء مدينة رسول الله ﷺ، وشرحه لهذا الكتاب العظيم موجود على اليوتيوب وغيره، وهو شرح بسيط يمكن لعامة الناس فهمه وأخذ ما شاء الله من الفوائد المستقاة من هذا الكتاب العظيم الذي شهد له خلق كثير بالفضل العظيم، والذي كان سببا في هداية خلق كثير وإرشادهم لسواء السبيل، نسأل الله أن يرحم مؤلفه وأن يجزيه به خير جزاء في دار الخلد، وأن ينفعنا بعلمه ويجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه سميع عليم مجيب الدعاء.

الرابط: شرح الداء والدواء (قائمة تشغيل في اليوتيوب)

شروح أخرى لكتاب الداء والدواء

وقد شرح هذا الكتاب العظيم علماء كثيرون، لما له من عظيم فضل وفائدة للناس، ومن الذين شرحوا هذا الكتاب العظيم:

شيخ مصر الحبيبة الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله ورعاه:

شرح كتاب الداء والدواء للشيخ رسلان

الرابط: شرح كتاب الداء والدواء للعلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – (على موقع الرسمي، يوجد على اليوتيوب في بعض القنوات غير الرسمية)

ومنهم أيضا الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

شرح الداء والدواء للشيخ صالح الفوزان

الرابط: تعليقات على الجواب الكافي[1-25] – الشيخ صالح الفوزان – مشروع كبار العلماء (قائمة تشغيل في اليوتيوب)

ختاما

وباب الزهد والرقائق والمواعظ باب عظيم جدا لا يستهينن الإنسان به، وهو موجه لعامة الأمة وطلبة العلم على حد سواء، وهي من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كتب الزهد والرقائق هذه إلا مبنية على الآيات والأحاديث.

وهنا مسألة ينبغي التنبه لها، وهي أن هناك كتبا انتشرت في الرقائق والزهد خرج بها مؤلفوها عن الكتاب والسنة، وصارت فيها مغالاة وتنطع وبدع وزيادة عن الحد، حتى يصير ما يُدعى إليه زهدا مذموما لا ممدوحا، بل قد يصير شركا والعياذ بالله، كمن ذهب بالناس من الزهد إلى عبادة القبور، نسأل الله السلامة والعافية.

فالزهد كما قال علماء أهل السنة والجماعة: ترك ما لا ينفع في الآخرة. وليس ترك أمور الدنيا كلها، والتزام النفس وحرمان النفس من المباحات بلا سبب، فهذا أمر مذموم لا ممدوح.

وعلى الإنسان أن يتبع دهره العلماء الثقات ويستنصح في أموره كلها حتى لا يقع في الضلالات والبدع التي لا أصل لها، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما.

هذا وصلِّ اللهم على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانه إلى يوم الدين.