إن من سنة نبي الرحمة محمد ﷺ صلاة قيام الليل، فكان لا يتركها أبدا، وهذا امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى، وإن كانت صلاة القيام ليست من الصلوات المفروضة، لكنها من السنن المأكدة. وتعرف صلاة الليل أيضا بـ: صلاة التهجد . فما هي صلاة التهجد ؟ وكم عدد ركعاتها؟ وما هو وقتها وفضلها؟
ما هي صلاة التهجد ؟
صلاة التهجد هي كما قلنا صلاة قيام الليل، وهي صلاة يصليها الإنسان منفردا أو مع جماعة، وهي من السنن المأكدة التي لم يتركها النبي ﷺ في حياته، ولم يغفل عنها إلا في ليلة واحدة قضاها في الصباح.
كم عدد ركعات صلاة التهجد ؟
إن ركعات صلاة التهجد فيها تفصيل فصله العلماء، وفيها توسعة، وهي تصلى كما شاء الإنسان واستطاع من ركعة واحدة وأكثر، على أن تكون مختومة بوتر، ويكون عدد ركعاتها مجملا عددا وتريا. أو بلغة الرياضيات عددا فرديا: 1 أو 3 أو 5 أو 7… وتكون بالتفصيل الآتي متى شاء الإنسان من الليل، بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر:
- ركعة واحدة.
- 3 ركعات، وتصلى ركعتان مع بعضهما وركعة منفردة أو 3 ركعات سردا مع بعضها. والأفضل فصلها.
- 5 ركعات: وتصلى ركعتين ركعتين ثم ركعة واحدة أو سردا مع بعضها، والأفضل ركعتين ركعتين كما قال رسول الله ﷺ.
- 7 ركعات: وتصلى ركعتين ركعتين ثم ركعة واحدة أو سردا، والأفضل الأول.
- 9 ركعات: وتصلى ركعتين ركعتين ثم ركعة فصلا أم سردا، والأفضل الفصل.
- 11 ركعة: أما هذه فتصلى ركعتين ركعتين ولا تصلى سردا، و11 ركعة هي فعل النبي ﷺ المعروف عنه، وهي الأفضل في سائر أوقات العام. أما في رمضان فكان رسول الله ﷺ يجتهد ويصلي كثيرا.
- أكثر من 11 ركعة: ويجوز للإنسان أن يصلي أكثر من 11 ركعة ما شاء وما استطاع، على أن يصليها ركعتين ركعتين ويختم بركعة وتر.
- قال رسول الله ﷺ: {صلاةُ اللَّيلِ مَثنى مَثنى} صححه الأباني.
وقت صلاة التهجد
إن صلاة التهجد وقتها هو الليل عامة، بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والسنة أن يصلي الإنسان بعض الليل ولا يقومه كله إلا أحيانا مثل صلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان، مثل أن يصلي ثلثا من الليل أو نصفه أو ثلثيه، وهذا كما قال تعالى في سورة الجن لرسوله الكريمﷺ:
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } 20.
وأفضل وقت لصلاة التهجد هو الثلث الأخير من الليل، وتحديدا وقت السحر، وهو الزمن قبيل طلوع الفجر، وهو من أوقات استجابة الدعاء، قال رسول الله ﷺ كما روى ذلك جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
{ مَن خاف أن لا يقومَ من آخِرِ الليلِ ، فلْيُوتِرْ أولَه ، ومَن طَمِع أن يقومَ آخِرَه ، فلْيُوتِرْ آخِرَ الليلِ فإن صلاةَ آخِرِ الليلِ مشهودةٌ ، وذلك أفضلُ صححه الألباني.
فصلاة آخر الليل صلاة مشهودة.
فضل صلاة التهجد
إن صلاة القيام لها فضل عظيم، ولو عرفنا فضلها حق المعرفة لما تركناها يوما واحدا، كيف لا وهي من أكمل العبادات، وهي التي يترك فيها الإنسان النوم ويقوم لله عز وجل في جوف الليل يذكره ويدعوه ويتلو القرآن له، فهي صلاة عظيمة تركها الكثير منا اليوم مع الأسف الشديد. ومن أهم فضائل صلاة التهجد:
- أن الله عز وجل ينزل في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا ويستجيب الدعاء للداعين، ويغفر للمستغفرين، ويعطي السائلين، وهذا في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه:
- {ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حين يبقَى ثلثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ مَن يَدعوني فأستجيبَ له ومَن يسألُني فأعطيَه ومَن يستغفرُني فأغفرَ له} صححه الألباني.
- فقيام الليل سبب لمغفرة الذنوب والخطايا.
- هو أفضل الصلاة بعد المكتوبة. قال رسول الله ﷺ:
- {أفضلُ الصلاةِ بعدَ المكتوبةِ الصلاةُ في جوْفِ الليلِ} صححه الألباني.
- أن الله أمر به رسوله الكريم ﷺ، قال تعالى:
- {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)}
- وقال بعض العلماء في تفسير هذه الآية أن الله فرض صلاة التهجد على رسول الله ﷺ دون غيره. وكذلك قال ابن العثيمين رحمه الله أن من المقام المحمود الذي ذكره الله في هذه الآية لنبينا محمد ﷺ الشفاعة يوم القيامة لأمته، وهذا كله من فضل صلاة التهجد.
- أنه من أفضل الأعمال التي تقرب من الله سبحانه وتعالى.
- أن من يذوق طعم صلاة القيام يذوق طعم الإيمان، ويهديه الله نورا في قلبه ووجهه، ويقينا في نفسه، وقوة في إيمانه، وثباتا على دينه، وتيسيرا في حياته، وثوابا عظيما وجنة عرضها السماوات والأرض في آخرته.
- القيام ينهى عن المعاصي، فإذا ابتلي الإنسان بمعصية صعب عليه تركها، وأراد أن يتوب إلى الله منها فليستعن بصلاة التهجد.
- أنه دأب الصالحين، ومكفر للذنوب والآثام، ووقربة إلى الله، وناه عن الإثم، قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه أبو أمامة البهلي رضي الله عنه:
- {عليكم بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دَأْبُ الصالحينَ قبلَكم، وهو قُرْبةٌ إلى ربِّكم، ومَكْفَرةٌ للسِّيِّئاتِ، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ.} حسنه الألباني.
بعض السنن في صلاة التهجد
ثبت عن رسول الله ﷺ الكثير من السنن الفعلية والقولية في صلة التهجد، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على عظم قدر هذه الصلاة وفضلها، نذكر من سنن صلاة القيام:
- إيقاظ المرأة لتصلي صلاة القيام، فإن أبت يسن له أن يرش في وجهها الماء لتقوم، وكذلك الشأن للمرأة مع الرجل، أن توقظه فإن أبى رشت وجهه بالماء، فعن أبي هريرة ﷺ عن النبي ﷺ قال:
- { رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبت رشَّ في وجْهِها الماءَ رحمَ اللَّهُ امرأةً قامت منَ اللَّيلِ فصلَّت وأيقظت زوجَها فصلَّى فإن أبى رشَّت في وجْهِهِ الماءَ} صححه الألباني.
- تسن صلاة القيام لمن أصابه شيء في الليل، كأن يرى حلما سيئا أو يفيق مرتاعا… والسنة في حقه أن يدعو بدعاء معين ثم يقوم فيتوضأ فيصلي، فإن فعل تكون صلاته مقبولة إن شاء الله تعالى كما قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
- { مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ.} رواه البخاري.
- أن من السنة للإنسان إذا اعتاد أن يقوم الليل أن لا يتركه، لأنه إذا تركه كان مفرطا في نعمة كبيرة أنعمها الله عليه، قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه:
- { لاَ تَكن مثلَ فلانٍ كانَ يقومُ اللَّيلَ فترَكَ قيامَ اللَّيلِ} صححه الألباني.
- ولكن لا يكونن هذا الحديث سببا للإنسان حتى لا يقوم الليل، كما يحدث في كثير من الأحيان، فتجد الإنسان يصلي القيام في رمضان، فإذا خرج رمضان توقف، لكن إذا ظن الإنسان أنه سيبدأ قيام الليل ثم يتركه فلا يكونن هذا سببا لعدم قيامه أساسا، إنما يقوم الليل ويجتهد حتى لا يتركه، فإن تركه فلا شيء عليه، وله أجر ما قامه.
- هذا دون أن ننسى السنن التي ذكرناها في عدد الركعات وفي وقت صلاة القيام…
- أن من صلى مع الإمام فالأفضل له أن يبقى معه حتى ينتهي الإمام، ومن فعل هذا كتب له قيام ليلة إن شاء الله، قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:
- {أنه مَن قام معَ الإمامِ حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ} صححه الألباني.
ماذا يفعل من فاتته صلاة التهجد
يحدث كثيرا أن يعزم الإنسان على أن يقوم الثلث الأخير من الليل فيغلبه النوم أو الوجع أو غير ذلك، فيدرك الفجر ولا يصلي، وفي هذا ورد حديث روته أمنا عائشة رضي الله عنها، وهو:
{أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِن وَجَعٍ، أَوْ غيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً} رواه مسلم.
فعلى الإنسان أن يقضي الوتر في النهار إذا فاته، ويقضيه شفعا لا وترا، أي أنه إذا اعتاد مثلا على أن يصلي ثلاث ركعات فليصل أربعا، وإذا اعتاد أن يصلي 11 فليصل 12، وهكذا… وهذا من التسهيل والتيسير على الناس في الإسلام.
ختاما
صلاة التهجد صلاة عظيمة مشهودة، غفلنا عنها وتركناها حتى ظن البعض أنها لا تكون إلا في رمضان، ولكن يا ويحنا وما ضيعناه من فضل ودرجات، نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، فما عبدناه حق عبادته.
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تعيننا على صلاة التهجد وغيرها من الصلوات والعبادات والقربات، وأن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأن تصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقالات مشابهة
ماهي حياة البرزخ في القرآن والسنة – حياة القبر وعالم البرزخ
فضل الدعاء يوم عرفة للحاج ولغير الحاج والأدعية المأثورة فيه
مصادر
القرآن الكريم
السنة النبوية الصحيحة -موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-
فتاوي الشيخ ابن العثيمين رحمه الله
فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله
فتاوي الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله -عالم وإمام مسجد قباء بالمدينة المنورة-