إن صلة الرحم من أعظم الأمور التي أمر بها الله ورسوله، وهي من أسباب النجاة في الآخرة، وهي من أسباب الرزق والفلاح في الدنيا، فصلة الرحم أمر واجب، وقطعها يأثم عليه الإنسان ويحاسب عليه، لذا في هذا المقال، سنتحدث عن حكم قطع صلة الرحم ، وعن أسباب ذلك ومتى يجوز قطع الرحم.
ما هي صلة الرحم؟
صلة الرحم هي أن يصل الإنسان أقاربه بالزيارة والتفقد والإحسان إليهم، والصلة ضد القطيعة. فأن يصل الإنسان رحمه يعني أن لا يقطعهم.
وحقيقة صلة الرحم التي أمر بها الإسلام هي أن يصل الإنسان من قطعه، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال:
{ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها.} رواه البخاري.
فالإنسان الذي يصل من وصله ليس هذا فقط هو الوصل الذي أمرنا به، وإنما الوصل الذي أمرنا به يشمل وصل القاطع. وبهذا يكون الإنسان أعظم منه أجرا.
من هم الأقارب الذين يجب أن يصلهم الإنسان؟
الأقارب الذين يعدون من الرحم، المأمور بوصلهم والمنهي عن قطعهم هم أقارب الإنسان نفسه على الصحيح، من جهة أبيه ومن جهة أمه وأبنائه، من إخوته وأخواته ومن الأعمام والأخوال والعمات والخالات وأبنائهم، ومن الأبناء والأحفاد.
أما أقرباء الزوجة بالنسبة للزوج أو أقرباء الزوج بالنسبة للزوج فلا يعتبرون من الأرحام، وإنما هم من الأصهار، وصلة الإنسان أصهاره ليست واجبة عليه، وإنما كل إنسان تجب عليه صلة أرحامه، فالرجل يصل أرحامه والمرأة تصل أرحامها، ولا يجب على الرجل صلة أصهاره كما لا يجب على المرأة صلة أصهارها.
أهمية صلة الرحم وفضلها
إن صلة الرحم من أهم الأمور التي أمر بها الشرع، فهي تزرع المودة والمحبة بين الناس، وتساهم في تماسك المجتمع وترابطه، وتعين على رفع الضرر عن العاجز الفقير، وتحث على التعاون والتآزر والتراحم بين الناس.
ومن فضائل صلة الرحم العظيمة:
- أنها من أسباب دخول الجنة بأدلة القرآن والسنة، قال تعالى في سورة الرعد في صفات أولي الألباب:
-
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
- ثم قال عن أولي الألباب هؤلاء الذين من صفاتهم أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل وهي صلة الرحم كما قال العلماء، قال عنهم:
-
{أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}
- أن من وصل الرحم وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، وهذا ثابت في الحديث القدسي عن النبي ﷺ أنه قال:
-
{قالَ اللَّهُ : أَنا الرَّحمنُ وَهيَ الرَّحمُ ، شَقَقتُ لَها اسمًا منَ اسمي ، من وصلَها وصلتُهُ ، ومن قطعَها بتتُّهُ} رواه أبو داوود وصححه الألباني.
- أن صلة الرحم من الأعمال التي تدني من الجنة وتبعد عن النار، وقد سأل رجل النبي ﷺ عن عمل يدنيه من الجنة ويبعده عن النار فقال له ﷺ:
-
{تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتي الزَّكاةَ، وتَصِلُ ذا رَحِمِكَ.} رواه مسلم.
- أن صلة الرحم من أسباب بسط الرزق وبقاء الأثر، فقد روى البخاري رحمه الله عن النبي ﷺ أنه قال:
-
{مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.}
حكم قطع الرحم
إن قطع الرحم حرام بالدليل القرآني الصريح، وعقوبته عقوبة شديدة، وهذا بالنسبة لقطع الرحم بلا سبب طبعا، وسنتعرض للأسباب التي تبيح قطع الرحم بل توجبها.
عقوبة قطع الرحم
قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23)} محمد.
فقطع الرحم سبب للعنة الله وسبب لإعماء الله للأبصار وصمِّه للأسماع، وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وقال أيضا في آية أخرى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} الرعد.
فقطع الرحم هنا أيضا سبب للدخول في لعنة الله، وسبب لسوء الدار، وسوء الدار هي جهنم والعياذ بالله.
من قطع الرحم عقوق الوالدين
ومن صور قطع الرحم أيضا عقوق الوالدين، وإن العاق لوالديه له وعيد شديد، وهو من الملعوني المطرودين من رحمة الله، فقد قال رسول الله ﷺ:
{الكَبائِرُ : الإِشراكُ بِاللهِ ، و عُقوقُ الوالِدَيْنِ ، و قتْلُ النفْسِ ، و اليمينُ الغَمُوسُ} صححه الألباني.
وقال أيضا: {لعَنَ اللهُ مَنْ لعَنَ والِديْهِ} صححه الألباني.
وقال أيضا: {مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ.} رواه مسلم.
فعقوق الوالدين من أعظم القطيعة، وهي من أسباب الدخول تحت لعنة الله، وهي من الكبائر.
هل يجوز قطع الرحم في حالة الضرر ؟
إن قطع الرحم حرام في الأصل، ولكن الأصل في الإسلام أيضا أنه لا ضرر ولا ضرار، فإذا كان الإنسان مثلا له قريب يرى أن في وصله ضررا له ولأهله، مثل أن يكون إنسانا لئيما يزرع الفتن أينما حل، أو لا يحترم الناس وما إلى ذلك، فهنا قال العلماء أن قطيعته تكون بمقدار ما يبعد الضرر، فإذا رأى أن في زيارته في بيته أو استقباله أذى فله أن يترك ذلك دفعا للضرر.
ولكن قالوا أن الواجب على الإنسان أن يحاول وصله بطريق ما، ولو بالسلام أو بالهاتف أو بالمال إذا كان محتاجا، ويكفي هذا، ولله الحمد والمنة.
أما القطع نهائيا فهذا لا يكون في الأصل إلا في حالات، وهي التي سنذكرها:
متى يقطع المسلم رحمه؟
هناك حالات يجوز للإنسان أن يقطع فيها رحمه، بل قد يكون واجبا أحيانا، وهذه الحالات هي:
- الهجر 3 أيام، وهي المهلة التي حددها الشرع لكي تهدأ القلوب، ولكن بعد ذلك تصبح قطيعة محرمة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاثةِ أيامٍ يلتقيان فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا ,وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلامِ.} رواه أبو داوود وصححه الألباني.
- والذي يبدأ بالسلام خير الاثنين.
- إذا رأى الإنسان أن هجر القريب الفاسق يجعله يعود لطريق الرشاد، جاز له أن يهجره مدة لعله يرجع، مثل أن يكون ابنك إذا هجرته مدة ربما عاد للصواب. لكن لا يستمر الإنسان على ذلك إن لم يعد. أما إذا علم أنه إذا ابتعد عنه استمر على معاصيه فهنا لا يجوز الهجر.
- يجوز هجر الذي يخشى الإنسان منه على نفسه الفتنة، مثل أن يكون قريبك كافرا يدعو للكفر، فتهجره مخافة أن يدركك كفره، أو أن يكون ضالا مبتدعا فتهجره مخافة أن يسحبك معه إلى ضلاله وما إلى ذلك، وهذا الهجر يكون بقدر الحاجة، وإن استطاع الإنسان أن لا يهجره بالكلية يفعل.
- يجوز أيضا الهجر إذا كان القريب ضالا كالكافر أو المبتدع، وكان الإنسان يعلم أن له مكانة في المجتمع، فيخشى على الناس أن يغتروا به لأنهم رأوه معه، ولأنهم ظنوا أنك مقر على ضلاله هذا، فهنا يصبح هجره فيه مصلحة للمسلمين، ولك وصله على قدر الاستطاعة ولو بالهاتف.
ختاما
فصلة الرحم على ما ذكرنا من أوجب الواجبات، والأمر بها في القرآن الكريم جاء مطلقا دون قيود، فصلة الرحم واجبة حتى تجاه القريب الكافر، ولا تعارض بين هذا وبين نهيه جل وعلا عن موالاة الكفار ومودتهم، فوصل القريب الكافر لا تعني مودته وموالاته، وإنما يصل الإنسان رحمه طاعة لله، ويبغض بقلبه هذا الإنسان الكافر أو الضال، وهذا ما قاله العلماء.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر
القرآن الكريم.
السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-
فتاوي الشيخ ابن العثيمين رحمه الله –خطبة جمعة عن الرحم-
فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله
فتاوي الشيخ علي فركوس حفظه الله (عالم جزائري دكتور في جامعة الجزائر كلية علوم الشريعة)
فتاوي الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله (عالم من المدينة المنورة ودكتور بجامعة المدينة المنورة الإسلامية وإمام مسجد قباء)
ماذا عن قطع صلة الرحم في حالة الظلم