سيدنا نوح عليه السلام هو عبد من عباد الله و رسوله، أرسله إلى قومه لما عبدوا الأصنام و أشركوا بالله ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، و أن يتركوا هذه الأصنام التي لا تنفعهم شيئا و لا تضرهم، فدعاهم إلى الله و لم يؤمن معه إلا قليل، و استكبروا و أبوا إلا الاستمرار على الكفر و الصد عن الحق فأرسل الله إليهم الطوفان و نجى نوحا عليه السلام و من كان معه من المؤمنين.
في هذا المقال، نتحدث عن قصة نوح عليه السلام، كيف كان قومه، و كيف دعاهم لله، و كم لبث فيهم، و بناؤه للسفينة، و الطوفان، و نجاة المؤمنين إلى البر.
ما كان عليه قوم نوح عليه السلام من الشرك و الضلال
كان قوم سيدنا نوح عليه السلام في شرك عظيم و ضلال مبين، إذ اتخذوا من الأصنام آلهة يعبدونها من دون الله، و أصل هذه الآلهة خمس رجال صالحين عاشوا في قوم نوح عليه السلام قبله، و لما ماتوا اتخذ قومهم تماثيلا لهم و وضعوها في مكان.
و لما مات الأولون و خلفهم أبناؤهم تعاظمت هذه التماثيل في نفوسهم، و أغواهم الشيطان و زين لهم عبادتهم فعبدوهم و ظنوا أن لهم تصرفا في الكون من مطر و غير ذلك، فعبدوهم من دون الله و عظموهم فأشركوا بالله و ظلموا أنفسهم. و أعظم الظلم الشرك بالله سبحانه و تعالى.
و هذه الآلهة الباطلة هي التي ذكرها الله في سورة نوح على لسان المشركين: << وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)>> و استحدثت هذه الآلهة الباطلة في العرب الجاهليين و عبدت إلى أن جاء رسول الله ﷺ فأزالها.
و في هذا فائدة، و هي الحكمة من تحريم الصور من تماثيل و غيرها، فاتخاذ التماثيل لذوات الأرواح من إنس و حيوان حرام في ديننا الحنيف، و من مظاهر هذا اليوم تماثيل المجاهدين و القادة و غيرهم، و هذا يؤدي مع الوقت لتعظيم هذه التماثيل و اعتقاد أمور باطلة بها.
كم لبث نوح عليه السلام في قومه يدعوهم لله؟
قال تعالى في سورة العنكبوت: <<وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)>>. فكانت مدة لبثه فيهم تسعمائة و خمسين عاما، أما متى بعثه الله بالرسالة فهذا موضع خلاف بين العلماء.
و دعا نوح قومه ليلا و نهارا، سرا و جهارا، تبشيرا و إنذارا، و صبر على قومه عظيم الصبر، حتى كانوا لما يدعوهم لله يجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوه، و كان الواحد يوصي ابنه متى ما عقل أن لا يؤمن مع نوح ما حيي، لذا قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: <<إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)>> نوح.
ثم أوحى الله إلى نوح عليه السلام أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، و أمره أن يصنع الفلك استعدادا لعذاب الله على القوم الكافرين.
صنع السفينة و حمل زوجين من كل شيء
و لما أمر الله نوح عليه السلام بصنع السفينة و بدأ ببنائها بالخشب و المسامير، كان قومه يمرون عليه فيستهزؤون به و يسخرون، فيقول لهم: إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ. حتى إذا جاء أمر الله أوحى إلى نوح أن احمل فيها من كل زوجين اثنين و من معك من المؤمنين، فطبق نوح عليه السلام أمر ربه.
الإبحار بالسفينة و مناداته لابنه
فركبوا في السفينة و دعا نوح ربه: <<وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ>>هود 41. فأمر الله السماء فانهمرت بالماء، و الأرضَ فتفجرت عيونا، و التقى الماء و بدأ السيل يغطي الأرض، فرأى نوح ابنه الذي لم يركب معهم، و كان ابنه هذا كافرا و لم يتبع أباه، فلما رآه أشفق عليه فناداه: <<وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ>> هود 42.
فقال له ابنه: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، أي يحميني من الماء، فقال له: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. فحال بينهما الموج و غرق ابنه عندها. و جرت بهم السفينة أياما يعلمها الله، و اختلف العلماء في مدة جريان السفينة بهم، و العلم لله في ذلك، حتى إذا أمر الله الأرض أن تبلع ماءها و السماء أن تقلع عن الهطول، انخفض الماء و استوت السفينة.
استواء سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي
و استوت السفينة على جبل الجودي، و هو جبل معروف في أرض الموصل في جزيرة العرب. و قال تعالى: <<قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)>> هود.
دعاء نوح من أجل إنجاء ابنه الكافر
و دعا نوح ربه فقال بعد أن غرق ابنه: <<وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)>> هود. و دعته مشاعر الأبوة أن يشفق على ابنه و يسأل الله عن وعده الذي وعده بأنه سينجي أهله و المؤمنين.
فرد الله عليه: <<قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)>> هود. فعاتب الله سبحانه و تعالى رسوله على أن سأله ما ليس له به علم، و أخبره أن ابنه هذا ليس من أهله، و أنه عمل غير صالح، و وعظه لألا يكون من الجاهلين.
و في هذا حكمة عظيمة، و هي أن هذا الابن و إن كان من صلبه إلا أنه ليس من أهله عند الله، و لكل نبي خطأ إلا محمدا ﷺ فإنه معصوم من الخطأ، و هذا كان خطأ نوح عليه السلام، أن سأل الله ما ليس له به علم. فوعظه الله، ثم استغفر نوح عليه السلام و تاب إلى الله فقال: <<قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47)>> هود. فتاب الله عليه.
نجاة المؤمنين إلى البر و بقاء النسل في ذرية نوح عليه السلام
و أنجى الله عباده المؤمنين إلى البر و استخلفهم الأرض، و جعل ذرية نوح عليه السلام هي الباقية، قال تعالى: <<وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)>> الصافات. فنوح عليه السلام هو أبو البشر بعد أبي البشر آدم عليه السلام، فكلنا اليوم من ذرية أبناء نوح عليه السلام، فنحن أبناء نوح و أبناء آدم عليهما السلام.
ختاما
كان شأن قوم نوح من شأن القرى الظالمة التي أهلكها الله بذنوبها، فالله إذا أراد أن يأخذ قوما فإنه يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى في سورة هود: <<وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (103)>>.
فمن خاف عذاب الآخرة فهذه آيات الله البينات، فيها قصص و عبر لأولي الألباب.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و لا تجعلنا من القوم الذين ظلموا أنفسهم، و اهدنا و اغفر لنا و ارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الظالمين.
هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين.
قصص أخرى للأنبياء
قصة سيدنا سليمان عليه السلام – الأحداث في قصته، ملكه العظيم، وفاته.
قصة سيدنا آدم عليه السلام ، خلقه ، أبناؤه ، الأحداث في حياته ، وفاته .
قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام – قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام
مصادر
القرآن الكريم
كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-
كتاب تيسير الرحمان في تفسير كلام المنان –عبد الرحمان السعدي-