عيسى عليه السلام هو آخر رسول قبل الرسول محمد ﷺ، و بينهما حوالي 600 سنة، وهو عبد الله و رسوله، أرسله الله إلى بني إسرائيل في زمن زكريا و يحيى عليه السلام، و هو من الرسل أولي العزم، أيده الله بالمعجزات و الكتاب الذي هو الإنجيل، دعا قومه فمنهم من آمن به و منهم من كفر، ثم رفعه الله إليه فهو حي لم يمت، ينزله الله في آخر الزمان.
ذكر حمل مريم ابنة عمران بعيسى عليه السلام
و كانت أمه الصديقة تعيش في بيت المقدس، و كانت من العباد خدام بيت الله كما ذكرنا في قصة زكريا و يحيى عليهما السلام، و خرجت يوما شرق المسجد الأقصى، فجاءها جبريل فتمثل لها بشرا فخافت منه و قالت: إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا. فأخبرها أنه رسول ربها ليهب لها غلاما زكيا.
فقالت له: أنى يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا؟ فتعجبت كيف سيكون لها ولد و ليس لها ولد و ليست من أهل الفاحشة. فقال لها: كذلك قال ربك هو عليه هين، و لنجعله آية للناس و رحمة منا و كان أمرا مقضيا. فنفخ جبريل فيها فحملت بعيسى عليه السلام.
و لما حملت كما تحمل النساء و بدأت تظهر عليها علامات الحمل خرجت من المسجد و اعتزلت القوم و انتبذت مكانا قصيا. و جاءها المخاض تحت جذع نخلة فقالت: يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا. فاهتمت و حزنت لأنها تعلم أن قومها لن يصدقوها إذا قالت لهم أنه ابنها من غير أب.
و نوديت من تحتها أن: {لا تخافي و لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي و اشربي و قري عينا، فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} مريم 24-56.
و أما من ناداها فقالوا أنه ابنها عيسى عليه السلام فحدثها و هو في بطنها، و قالوا أنه جبريل. و الله أعلم في هذا. فمن الله عليها بالماء و الرطب و الظل حتى تتقوى به على الولادة و النفاس.
ولادة عيسى عليه السلام و تكليمه الناس في مهده
و ولد عيسى عليه السلام، و أخذته أمه و أتت به قومها تحمله، فلما رأوها سارعوا إلى اتهامها فقالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا. فاتهموها بالزنى، و ذكروا لها أخاها و أباها و أمها و كانا من العباد الأشراف.
عندها أشارت إلى ابنها في مهده، فقالوا: و كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ عندها أنطق الله عيسى عليه السلام فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا، و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا، و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا} مريم30-33.
و ولد عليه السلام ببيت لحم على الصحيح، و نشأ و قيل أن أمه هاجرت به من بيت المقدس إلى مصر، لأن قومها آذوهما و أكثروا من القول فيها، و آتاه الله الحكمة و المعجزات في صغره، و هو الرسول الذي بعث حين ولدته أمه.
نزول الإنجيل على عيسى عليه السلام
و أنزل الله عليه الإنجيل، و علمه التوراة، فأتاهم بتوراة موسى غير المحرفة، و نسخت بعض أحكامها في الإنجيل، و أخبر قومه عن محمد ﷺ أنه نبي سيأتي من بعده و أمرهم باتباعه، و أنه هو آخر الرسل، و أنه ليس بينه و بينه نبي، و كل الكتب السماوية نزلت في رمضان، و أنزل الله الإنجيل على المسيح عليه السلام و هو ابن ثلاثين سنة كما قال المفسرون.
معجزات عيسى عليه السلام
يرسل الله تعالى الرسل و يعطيهم آيات من ربهم يعجزون بها أقوامهم ليتأكدوا أنهم مرسلون من ربهم، و كانت معجزات عيسى عليه السلام:
- كلم الناس في المهد.
- يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله.
- يبرأ الأكمه و الأبرص.
- يحيي الموتى.
- ينبؤهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم.
و سمي بالمسيح لأنه كان يبرأ المرضى بمسحه عليهم، و يحيي الموتى كذلك بالميح بيده، و كان لديه من الكرامات غير ذلك.
قصة المائدة
وردت هذه القصة في سورة المائدة في القرآن الكريم، و مفادها أن الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام: يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء. فقال لهم: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. و خاف عليهم أن لا يشكروا هذه النعمة بعد أن تنزل عليهم فيحل بهم العذاب، لأن الله إذا أنزل آية و كفر طالبوها بعدها أنزل عليهم العذاب كما عذب قوم ثمود.
فقالوا له أنهم يريدون أن يأكلوا منها و تطمئن قلوبهم أنه قد صدقهم و يكونوا عليها من الشاهدين. فدعا عيسى عليه السلام ربه أن ينزل عليهم مائدة تكون لهم عيدا لأولهم و آخرهم و آية منه.
فأوحى تعالى لعيسى: إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فأنزلها الله عليهم و هم ينظرون، فنزلت بين غمامتين من السماء، و يقال أنها كفتهم جميعا، فأكل منها الفقراء و المساكين و ما إلى ذلك.
رفع عيسى عليه السلام إلى السماء
و كان اليهود على عداء شديد لرسول الله عيسى عليه السلام، فمكروا به و وشوا به لأحد الملوك الكافرين، فطلبوه و وشوا به و هو في مكان، فألقى الله شبهه على أحد آخر و رفعه إلى السماء، و قال ابن عباس أنه كان جالسا في بيت مع اثني عشر رجلا من الحواريين، فأخبرهم أن القوم يطلبونه و سألهم من يلقى عليه شبهه فيقتل مكانه و يكون معه في درجته، ففداه أحدهم، و ألقى الله عليه شبهه فقتلوه بدل رسول الله و رفع الله عيسى عليه السلام إلى السماء. و قال تعالى: و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم.
عقائد اليهود و النصارى حول عيسى عليه السلام
و يعتقد اليهود أنهم قتلوا المسيح عليه السلام، و يعتقد النصارى أنه صلب نفسه افتداء للبشرية، و لم يبق منهم من يعتقد أنه لم يقتل و أن الله رفعه إليه، و يعتقدون أنه ابن الله و أنه إله، تعالى الله عما يشركون، أما اليهود فيعتقدون أن مريم الصديقة زانية و العياذ بالله، و يعتقدون أنهم قتلوا ابن الزانية و أنهم قتلوه لأنه أفسد في الأرض. و كل في ضلال مبين.
و كان من النصارى في الماضي من يعتقد أن المسيح عليه السلام هو الله بذاته، تعالى الله عن ذلك. و ما هو إلا عبد الله و رسوله و كلمته، و لم يقتل و إنما رفعه الله إليه.
نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان
و عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان بعد ظهور الأعور الدجال و بعد اشتداد الفتنة، فيقتله و يبين الحق للناس و يحكم الأرض بشرع الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ، و يكسر الصليب الذي يعتقد النصارى أنه صلب عليه و يقتل الخنزير الذي استحلوه لأنفسهم، و يضع الجزية أي أنه لا يقبل غير الإسلام من الناس. و هذا صحيح من أحاديث الرسول ﷺ.
ختاما
الحمد لله على نعمة الإسلام، هذا الدين الحنيف الذي من الله به علينا فآمنا بالله وحده لا شريك له و تركنا ما يعبد من دونه، و علمنا أن الله أحد، فرد صمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفؤا أحد. و لم نغالي في الرسل و الأنبياء و الصالحين كما يفعل في باقي الأديان و الطوائف الضالة، عافانا الله منها.
اللهم أحينا على الإسلام، و ثبتنا على الإسلام، و أمتنا على الإسلام، و نجنا من فتنة المسيح الدجال و من كل الفتن يا رب العالمين، و اجعلنا ممن يتبعون هديك و يستنون بسنة نبيك محمد ﷺ.
هذا و الله أعلم، و صل اللهم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين.
مصادر
القرآن الكريم
كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-
فتاوي الإمام ابن العثيمين رحمه الله