زكريا عليه السلام هو أبو يحيى عليه السلام، و هما من بني إسرائيل، و عاش زكريا عليه السلام في بيت المقدس، و هما نبيان من أنبياء بني إسرائيل، و هما من ذرية سليمان بن داوود عليهم السلام جميعا. و كان بنوا إسرائيل قوما أرسل الله فيهم الكثير من الأنبياء، لأنهم كانوا يعصونهم و يقتلونهم، و من هؤلاء الأنبياء: زكريا و يحيا عليهما السلام.
كفالة زكريا عليه السلام لمريم ابنة عمران
و لما ولدت مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السلام و كانت أمها نذرت ما في بطنها أنها ستسخره لخدمة بيت الله، فلما ولدتها و قالوا أنها أرضعتها و فطمتها، جاءت بها للعباد في بيت المقدس لتعطيها لهم فتخاصموا فيمن يكفلها، و أراد الله أن يكفلها عبده زكريا، فاقترعوا بينهم قرعة فخرج سهم زكريا عليه السلام فكان هو الكفيل لها، و كان مصرا على ذلك من قبل لأن زوجته أختها و قيل خالتها.
دعاء زكريا عليه السلام
و كان زكريا عليه السلام له زوجة عاقرا لا تلد، و كان يكفل مريم ابنة عمران أم عيسى عليه السلام، و كانت مريم دائما تتعبد في المحراب، و هو مكان عبادة، و كان كلما دخل عليها وجد عندها رزقا، فيسألها: يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
و لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق من العدم، و هنالك دعا ربه فقال: <<قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)>>مريم.
و نادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشره بغلام، و هذا الغلام هو يحيى، كلمة منه و سيدا و حصورا و نبيا من الصالحين. فقال: أنى يكون لي غلام و قد بلغني الكبر و امرأتي عاقر؟ قالوا: كذلك الله يفعل ما يشاء. فسأل الله أن يجعل له آية يعلم بها متى تأتيه البشارة.
فأوحى الله إليه أنه سيتوقف عن الكلام مع الناس ثلاثة أيام سويا، أي يعتريه السكت فلا يقدر على الكلام ثلاثة أيام إلا رمزا، و الرمز إشارة أو إيحاء. فلما أصبح و وجد نفسه لا يتكلم خرج يستبشر و أوحى إلى قومه أن سبحوا بكرة و عشيا. فاستجاب الله له و وهب له يحيى و أصلح له زوجه.
ولادة يحيى عليه السلام
و ولد يحيى عليه السلام و آتاه الله الحكم صبيا، و كان يحيى عليه السلام من صغره بارا بوالديه حكيما كثير البكاء زاهدا عابدا، و كان لا يأتي النساء، و هذا تفسير قوله تعالى: حصورا. و قال عنه تعالى: و السلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا.
الكلمات الخمس التي أمر الله بها يحيى عليه السلام
و أمر الله تعالى يحيى عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن و أن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فجمع عليه السلام بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فحمد الله و أثنى عليه و أخبرهم بالكلمات الخمس التي أمره الله أن يعمل بهن و يأمرهم أن يعملوا بهن، و هذه الكلمات هي:
- أن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئا.
- الصلاة. و إذا صلوا ألا يلتفتوا.
- الصيام.
- الصدقة.
- ذكر الله.
و ذكر في قصته عدة روايات إسرائيلية ابتعدنا عنها عمدا لعدم علمنا بصحتها من كذبها.
قتل يحيى عليه السلام
و يحيى عليه السلام مات مقتولا فمات شهيدا، و لا توجد رواية واضحة في قتله، و يروى في بعض الإسرائيليات أن ملكا من ملوك دمشق استفتاه في أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له أن يتزوجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، و بقي في نفس المرأة من الملك.
و استوهبت هذه المرأة من الملك دم يحيى عليه السلام، فوهبه إياها فبعثت إليه من قتله، و الله أعلم في هذه الرواية أصحيحة هي أم كذب.
و لا يهمنا كيف كان مقتله، و لكن ما نعلمه هو أنه مات شهيدا.
موت زكريا عليه السلام
و اختلف أيضا في موته عليه السلام، بين من قال أنه مات ميتة طبيعية و بين من قال أنه قتل، و قالوا أنه هرب من قومه فدخل في شجرة فجاؤوا بمنشار فأدخلوا المنشار فقطعوا إلى اثنتين، و قالوا أن من انصدعت له الشجرة هو أشعيا و ليس زكريا، و أن زكريا مات موتا عاديا.
يحيى عليه السلام و عيسى ابن مريم عليه السلام ابنا خالة
و يحيى و عيسى عليهما السلام كانا ابنا خالة، و قد عاشا معا زمنا ثم افترقا، و هذا ثابت في حديث نبوي شريف صحيح.
ختاما
في هذه القصة فوائد عظيمة جليلة، كما في كل قصص الأنبياء و الرسل، أهمها أن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقد رزق زكريا بيحيى على كبره و امرأته عاقر، و أنه يصطفي من عباده من يشاء، فكان زكريا و يحيى نبيين من الله، و مات يحيى شهيدا.
و منها أن هؤلاء كانوا عبادا صالحين و أنبياء و لكنهم عاشوا البساطة و لم يكونوا ذوي غنى، ففضل الله في الآخرة خير من فضله في الدنيا، و غير ذلك من العبر الجليلة العظيمة.
مصادر
القرآن الكريم
السنة النبوية الصحيحة –حديث الكلمات الخمس الذي أخرجه أحمد و الترمذي و غيرهما-
كتاب قصص الأنبياء –ابن كثير-
البداية و النهاية –ابن كثير-
تفسير ابن كثير