الدعاء هو سبب من أقوى أسباب القدر و من أنفع الأمور في حياة المؤمن، فالدعاء مناجاة لرب العزة تبارك و تعالى، الذي خلق السماوات و الأرض، و هو على كل شيء قدير، و تجد الواد منا إذا احتاج إلى مسألة من المسائل استعان بشخص له قوة أو سلطة في تلك المسألة حتى يقضيها له، فما بالك بالاستعانة برب هؤلاء العباد جل و على؟ و الاستعانة به تكون بالدعاء، لكن ليس كل دعاء مستجاب، فما هي شروط استجابة الدعاء في ضوء الكتاب و السنة ؟
الدعاء من أقوى الأسباب
يعد الدعاء من أقوى الأسباب و أنفعها، مثل الدعاء للشفاء من المرض أو لصلاح الحال أو للهداية… فهو مناجاة لله سبحانه و تعالى، ألا و هو القائل: << وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) >> غافر -60-
و قال رسول الله ﷺ: < الدُّعاءُ ينفع مما نزل و مما لم ينزِلْ، فعليكم عبادَ اللهِ بالدُّعاءِ > صححه الألباني.
فالدعاء يرد القدر قبل أن ينزل، فإذا قدر الله عليك أن تصيبك مصيبة أو فتنة ثم دعوت الله قبل أن ينزل عليك هذا القدر و كان دعاؤك أقوى من هذا القدر فإنه يرده. و في هذا قال ﷺ عن عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها-: << لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل ، ومما لم يَنْزِلْ ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ >> صححه الألباني.
فالحذر كما قال رسول الله ﷺ لا ينفع مع القدر و لا يقي منه، لكن الدعاء يفعل، و هذه هي قول الدعاء، فعلى الإنسان أن يعلم أولا أن للداء قوة كبيرة في رد البلاء و النفع، حتى يكون عند الدعاء موقنا باستجابة الدعاء و قوته، و يكون قلبه مجمعا موقنا أثناء الدعاء.
شروط استجابة الدعاء
الإخلاص في الدعاء من شروط استجابة الدعاء
و الإخلاص في الدعاء هو أهم شرط من شروط استجابة الدعاء على الإطلاق في الدعاء، لأن المخلص في الدعاء سبحانه و تعالى قد يستجاب له و إن كان كافران خاصة في وقت الشدة. كما قال تعالى: << فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) >> العنكبوت -65-.
قوة القلب و إقباله على الله و جمعيته عليه من شروط استجابة الدعاء
فالقلب محل الإيمان، فإذا كان القلب ضعيفا من الإيمان خاليا منه كحال القوس الرخوة التي إذا أرسل منها السهم لم يصب لضعف القوس حتى إذا كان السهم قويا، و أسباب ضعف القلب كثيرة منها المعاصي و قلة الصالحات و رين الذنوب و استيلاء الغفلة و الشهوة و اللهو… فالله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه. لذا فهو من شروط استجابة الدعاء.
كما روى أبو هريرة عن رسول الله ﷺ أنه: << ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟>> رواه مسلم. فإذا كان الإنسان غير صالح الحال و القلب، غير تائب إلى الله مصرا على المعاصي، فمن أين يستجيب له الله؟
الإلحاح و التضرع و الخفية في الدعاء من شروط استجابة الدعاء
قال تعالى: << ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) >> الأعراف -55-، فعلى الإنسان إذا دعا الله أن يدعوه بينه و بين نفسه، لأن الله سميع عليم بما في الصدور، فتجد أناسا يدعون بالجهر و يبالغون في الدعاء، نسأل الله لهم الهداية.
عدم استعجال الاستجابة من شروط استجابة الدعاء
و استعجال الاستجابة من آفات الدعاء التي تمنع استجابته، فالمستعجل إذا بطئت استجابة دعائه يئس و قنط و ترك الدعاء، و حاله كحال من غرس غرسا فسقاه فترة، و لما استعجل نباته و لم يصبر عليه تركه و أهمله فمات في الأرض و لم يقم.
قال رسول الله ﷺ: < يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، فيَقولُ: قدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي. > رواه مسلم. فاستعجال الدعاء من آفات الدعاء.
صلاح الدعاء من شروط استجابة الدعاء
الله لا يقبل دعاء فيه إثم أو قطيعة أو تعد، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا، و لا يستجيب الله للأدعية المخرجة عن الفطرة و غير المنطقية و التي فيها اعتداء على حرمات الله، و الله لا يحب المعتدين، و لا يستجاب الدعاء إذا دعا الداعي بقطيعة رحم أو إثم. لذا ففساد الدعاء من آفات الدعاء.
قال رسول الله ﷺ عن أبي هريرة –رضي الله عنه-: < لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ >. رواه مسلم.
مقويات الدعاء
و هناك أمور ليست من شروط الدعاء إلا أنها مقوياته و دعائمه التي تقويه و تعين على استجابته، نذكر منها:
افضل أوقات استجابة الدعاء
أوقات استجابة الدعاء ستة وهي:
- 1 الثلث الأخير من الليل.
- 2 عند الأذان.
- 3 بين الأذان و الإقامة.
- 4 إدبار الصلوات المكتوبات.
- 5 عند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضي الصلاة من ذلك اليوم.
- 6 آخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة.
الأدعية المأثورة
و مما يجعل الدعاء قويا الدعاء بأدعية الرسول ﷺ و الأنبياء و الصالحين، و هي الأدعية التي وردت في القرآن الكريم و السنة النبوية، و الدعاء بها من أفضل الأدعية و أكملها، لأن الأنبياء هم أعلم الخلق، و لأن أدعيتهم مستجابة، و الدعاء بها من باب الاقتداء و الاستنان بسنتهم، و صيغها هي الأفضل في التوسل لله بأسمائه و صفاته و الأعمال الصالحة.
و لكن هذه الأدعية لا يعني الدعاء بها مستجاب، لأن للداعي أثرا قبل الداء، كاستعمال الدواء، فإذا استعمل الدواء النافع في غير وقته و ظروفه المناسبة لم ينفع.
التوسل
و التوسل هو تقديم الوسيلة بين يدي الدعاء، و الوسائل المشروعة في الدعاء هي أسماء الله و صفاته و الأعمال الصالحات، أي أن يدعو الإنسان الله و يذكر في دعائه أسماء الله الحسنى و صفاته العلى، كأن يقول: يا حي يا قيوم، يا غفور يا رحيم… و أن يتوسل بأعماله الصالحة كقصة أصحاب الغار الذي أغلق عليهم غارهم بصخرة عظيمة فدعوا الله بأعمالهم الصالحة فأزال الله الصخرة عنهم. كأن يقول العبد: اللهم إياك أعبد، و لك أصلي و أسجد…
تقديم عمل صالح بين يدي الدعاء
و يعني أن يفعل الإنسان عملا صالحا مع الدعاء، فالله تعالى يقول: << إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ >> فاطر -10-. فتقديم عمل صالح بين يدي الدعاء و التوسل به من دعائم الدعاء و مقوياته. كأن يتصدق المؤمن ثم يدعو الله بنية استجابة دعائه.
ختاما
الدعاء من أحب الأمور إلى الله من العبد، لأن الله يحب من عباده أن يدعوه و يتوسلوا إليه، و عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: << من لم يسألِ اللهَ غضِبَ اللهُ عليه >>. صححه الألباني، فعلينا أن ندعو الله في كل صغيرة و كبيرة و نستغفره كل حين.
اللهم اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنا و اهدنا و اهد بنا و أدخلنا جنتك و قنا عذابك. و صل اللهم على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
مصادر
القرآن الكريم
السنة النبوية –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-
كتاب الداء و الدواء –ابن قيم الجوزية-
موقع فتاوي الإمام ابن العثيمين -رحمه الله-