حكم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يُعتبر من المسائل الشائع الحديث عنها خلال تلك الفترة؛ حيث يختلف العديد من الفُقهاء والعلماء حول مشروعية ذلك الأمر، ومن ذلك مثلًا حكم التبرع بالأعضاء من المتوفى دماغيًا أو بالسكتات المختلفة، وغير ذلك من حالات الوفاة الأخرى، سنتعرف على ذلك بالتفصيل فقط من خلال موقعنا، هذا وسوف نتناول ما إذا كان من المُمكن التبرع بالأعضاء أو لا وما شروط ذلك ونتائجه بشكل عام على الأفراد والمجتمع ككل.
حكم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
قبل مناقشة حكم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يجب أن نعلم أمرًا هامًا جدًا وهو أن إيذاء الغير مُحرم، وأيضًا إيذاء النفس مُحرم خاصةً لو كان ذلك الجسد جثة هامدة.
كما أن الإنسان لا يملك من نفسه شيء ولا ينبغي أن يقول هذه نفسى مثلًا سأقتلها، وهو بذلك لا يملك أعضائه حتى يتخلص منها ويتبرع بها لغيره وقت وفاته.
أما بخصوص حكم الشرع في التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فيوجد بعض الآراء التي تُفيد جوازه، وأخرى تشير إلى تحريمه بشكل قطعي.
عدم جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
بعض الآراء الفقهية أشارت إلى عدم جواز المرء التصرُف في أعضائه بشكل عام، حيثُ أن الخالق قد خلقنا بتفاوت بيّن في الجسد والقوة وكذلك في الابتلاء بالأمراض وغير ذلك مما برأنا به المولى عز وجل وصورنا عليه.
كما استندوا بذلك على قوله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم”، مما يشير إلى تكريم جسم الإنسان، وجاء الحديث النبوي مؤكدًا لما أشار إليه المولى عز وجل، حيث قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم “كُلُّ المُسلم على المُسلم حرام: دمه وماله وعرضه“.
جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
كما أجاز آخرون بعض الحالات الجائز بها التبرع بالأعضاء، ولكن وفق شروط محددة يجب التعرف عليها قبل تنفيذها، ويعتبر ذلك الرأي هو الراجح، وذلك للآتي:
- لأن مصلحة الأحياء في الشريعة الإسلامية مُقدمة على مصلحة الأموات وحرمتهم، حيث أنه قد يكون الحي في أمس الحاجة إلى ذلك العضو ليتمكن من الحياة أو الشفاء من مرضه.
- للتيسير على المسلمين في الكثير من أمور دينهم.
- كما أنها مراعاة للمصلحة العامة.
شاهد أيضًا: حكم قطع صلة الرحم واسبابها وهل يجوز قطعها في حالة الضرر
شروط التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
بعد التعرف على حكم الشرع وفقًا للرأي الواضح في التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وآلية القيام بذلك الأمر، عليك أيضًا فهم أبرز بنود وشروط عملية التبرع بالأعضاء بشكل عام وهي كالتالي:
- ألا يكون التبرع بالأعضاء به مقابل أو عوض مادي أو ربح أو أي نفع آخر، حيث أن جسم الإنسان ليس محلًا للبيع لا شرعًا ولا عقلًا ولا عُرفًا، كما يتنافى ذلك أيضًا مع الكرامة الإنسانية.
- التحقق من حدوث الوفاة وقد اختلف بذلك الكثير إذا ما كانت من حيثُ موت القلب أو موت الدماغ وسنقوم بتفسير ذلك، لكن لا يُفضل أن يكون دماغيًا، وذلك لأسباب سوف يتم تحديدها لاحقًا.
- التأكد أولًا من إمكانية معالجة المريض بكافة الطرق حتى لا يصل لمرحلة الوفاة.
- التحقق من أن الميت قد أوصى بالتبرع لمن يحتاجه أم لا، ويكون عن إرادة حرة واعية دون الضغط عليه أو بالإكراه من الأهل وأن يكون بالغًا عاقلًا، وذلك للضرورة، وغير ذلك لا يتم التبرع بها حتى ولو أوصى.
- في حالة الرغبة في الحصول على عضو من الميت لإحياء شخص آخر ولا يوجد توصية بذلك فإنه يتم التحقق من الورثة، وتكون الموافقة باطلة، إذا ما تم التأكد من عدم وصية الميت بذلك قبل وفاته.
مفهوم الوفاة من حيث موت القلب وموت الدماغ
يجب في بادئ الأمر أن نتأكد إذا ما كانت الوفاة بسبب السكتة القلبية أو السكتة الدماغية، وذلك لاختلاف الآراء حول ذلك الأمر فيما بين الأطباء وعلماء الفقه..
تعريف الوفاة عند الأطباء
يرى الأطباء أن الموت هو اللاعودة للحياة، حيث يرى هذا الفريق أن توقف القلب ليس دليلًا على الموت، وذلك المفهوم قد انتشر في ظل التطور الذي نشهده خلال هذه الأيام في كافة الوسائل الطبية وأجهزة الإنعاش الطبي.
حيث يحكم الأطباء على موت المريض فور توقف وظائف الدماغ أو المخ، فالموت لديهم هو نهاية الحياة في البدن بشكل عام.
تعريف الوفاة عند الفقهاء
هذا ويرى الفقهاء أن الموت هو مفارقة الروح للبدن، وذلك لأن الإنسان قد خُلق من روح وبدن، فإذا فارقت الروح البدن يعتبر الإنسان ميتًا، لذلك مازالت هذه المسألة مشكلة.
كما عُقدت عدة لقاءات ومؤتمرات علمية أحدهم كانت تحت اسم (موت الدماغ بين الفقه والطب) لكن مع ذلك تزداد هذه المسألة غموضًا، ويجب التوقف عندها للحظة، حيث أنه لا يوجد حل واضح وتحتاج للمزيد من البحث والنظر.
حالات يجوز فيها التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
هذا ويوجد أجزاء محددة من جسم الإنسان يمكنه التبرع بها بعد وفاته وفق وصية محددة، مع اتباع الشروط الخاصة بذلك، ولعل أبرز تلك الأعضاء ما يلي..
التبرع بقرنية العين
حيث تتيح قرنية عين الموتى استفادة كبيرة لزرعها في عيون كفيفي البصر أو المهددين بالعمى، فلا شك أن العمى أو فقد البصر قد يلحق بالإنسان ضررًا، لذلك قد يجوز التبرع بها وذلك تحت القواعد المُتفق عليها.
كما أن أخذ قرنية الميت لزرعها في عين إنسان لاستعادة بصره لا يعد من التمثيل الذي نهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهي ليست إهانة للميت أو انتهاك لحرمته.
التبرع بالكلى
حيث يمكن أيضًا أن تنقذ إنسانًا مريض بالفشل الكلوي من الموت بعد تبرع شخص ميت بكليته وفق وصية مؤكدة منه في حياته.
عملية سحب الدم
فهي صحية مالم يقرر الطبيب عكس ذلك على هذا الشخص؛ حيث يتم ادخاره في مصرف الدم الرسمي، كما يتم اللجوء إليه وقت الحاجة أيضًا، وهو يستخدم باستمرار نظرًا لكثرة الحوادث التي ينتج عنها الحاجة لنقل الدم.
الأعضاء التناسلية
تعتبر من الأعضاء التي لا يجوز نقلها إلا في حالة واحدة، إذا كانت تلك الأعضاء للشخص المتوفى قد تعرضت للتلف وعدم القدرة على إفراز المنويات أو البويضات إطلاقًا.
بذلك لن تعطى الصفات الوراثية لأي أجنة في المستقبل، فهي بذلك لن تكون مُحرمة إذا كان من يحتاجها بحاجة شديدة إليها وتحت الشروط اللازمة لنقل الأعضاء.
الأعضاء المتجددة
كما يوجد في جسم الإنسان الحى أجزاء متجددة يستطيع الجسم تعويضها بسهولة وذلك كالدم ونخاع العظام والجلد فهذه الأشياء وأشباهها يجوز نقلها، إذا توفرت الشروط اللازمة لجواز النقل.
يرجع سبب ذلك أن تلك الأشياء لا تُسبب ضرارًا مُستديم في جسم المنقول منه، بل العكس في ذلك فهي يمكنها أن تعود بالنفع إليه.
سلبيات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
على الرغم من النظرة التي ينظرها الكثيرين لأمر نقل أعضاء شخص متوفي على أنها عمل إنساني جليل، إلا أنها تتخذ نظرة سلبية أخرى لدى البعض الآخر؛ حيث يعتبرها البعض أنها:
- إهدار كرامة الإنسان، وتحويله إلى سلعة قابلة للمزايدة.
- قد تكون أحد سبب الوفيات العديدة التي لا يمكن حصرها، عندما يقوم شخص حي بالتبرع بأحد أعضائه مقابل المال.
- كما يحدث أحيانًا استغلال حاجة المريض تحت وطأة الحاجة.
- الثراء الفاحش بسبب غير مشروع واستغلال حاجة الفقراء المعدمين.
- ظهور عصابات عالمية للإتجار بالأعضاء البشرية، تقوم بأعمال السطو والقتل واستخدام الأطفال المشردين في توريد اعضائهم واختطاف الكثير من الأطفال لتلك الأعمال.
يمكنك قراءة أيضًا: حكم الاحتفال بالقرقيعان للشيخ ابن باز (حقيقة القرقيعان)
بذلك نكون قد تعرفنا على حكم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة والسبب هو أن النفس ليست مباحة، إنما هي أيضًا محرمة على صاحبها، إذ أنه لا يجوز أن يقتل نفسه، ولا يمكن للورثة أن يتوارثونها طمعًا في المال دون الأخذ في الاعتبار بحرمة الميت، لذلك تذكر جيدًا قبل أن تتبرع بها أنها لها ضرورة وأن أعضاء جسدك ليست سلعة لتحقيق المصلحة.