الهجرة غير الشرعية : كل يوم نسمع عن مجموعة من الشباب ركبوا قوارب الموت أو قطعوا الحدود و قطعوا البحار إلى مستقبل مجهول غير عالمين إن كانوا سيصلون أم سيبلعهم البحر، و إن وصلوا لا يعلمون إن كانوا سيقدرون على البقاء أم سيمسكونهم و يدخلونهم السجون أو يرسلونهم إلى بلدانهم …
و عندما تنظر إلى هذا الواقع بعين بصيرة، ترى أن الموت عند هؤلاء الشباب صار هينا، و أن ركوب الأخطار و السير نحو مصير لا يعلمه إلا الله أهون عنده من البقاء في بلده، و بما ضاق؟ ضاق ببلده و أهله و منشئه و مسقط رأسه، كل هذا صار هينا عليه، بل صار كابوسا في آخر الزمان الذي صار فيه المسلمون كثرا لكن هينين على الناس.
أسباب الهجرة غير شرعية، إلى متى؟ بحث شامل
تعريف الهجرة
الهجرة في اللغة من الفعل الرباعي هاجَرَ، و تعني ترك الموطن الأصلي، و هي اصطلاحا انتقال الناس أفرادا أو جماعات من موطنهم الأصلي إلى مكان آخر ثم الاستقرار فيه بشكل دائم أو مؤقت بحثا عن مستوى معيشي و سكني و أمني أفضل.
تعريف الهجرة غير الشرعية
هي الهجرة إلى بلد ما و العيش فيه دون تصريح إقامة، أو عدم العودة بعد انتهاء التأشيرات و رفض العودة لبلدانهم.
أسباب الهجرة
توجد الكثير من الأسباب التي تدفع الشباب للهجرة إلى بلدان متقدمة، و لعل أهمها:
-
البطالة
- و ذلك بسبب عدم توفر العمل في البلاد، أو توفره بمردود قليل، فمعظم الشباب في الدول العربية النامية و الفقيرة، لا يكادون يحصلون مصروفهم اليومي، و لا يمكنهم شراء مسكن أو سيارة أو الحصول على عمل دائم و هذا هو أهم سبب يدفع إلى الهجرة غير الشرعية .
-
الدراسة
- معظم الطلبة في الدول العربية النامية يحلمون بالدراسة في الجامعات الأجنبية المرموقة خاصة الجامعات الأمريكية و الأوروبية. لذا فهم لا يتوانون في تضييع أي فرصة للوصول إلى هذه الجامعات، لكن الطلبة لا يلجأون إلى الهجرة غير الشرعية، لأن الجامعات لا تستقبل المهاجرين غير الشرعيين.
-
اللجوء السياسي
- بعض المهاجرين غير الشرعيين يكونون لاجئين سياسيين و حقوقيين.
-
اللجوء من الحروب
- و هذا من أكثر الأسباب الدافعة للهجرة في الأعوام الأخيرة، إذ أن قلة الاستقرار و الحروب الدامية و الخوف الدائم يدفع الشباب إلى اللجوء إلى دول توفر لهم الأمن و المعيشة الكريمة. و أكثر هؤلاء الفلسطينيون و السوريون و العراقيين و بعض اليمنيين.
-
قلة استيعاب الكفاءات
- و ذلك لعجز الهياكل في الدول النامية عن توفير المعدات و المستلزمات كالمخابر و المستشفيات و العتاد… لذلك فهناك الكثير من الأطباء و المهندسين و العلماء العرب في أمريكا و أوروبا، و هذا ما يعرف بهجرة الأدمغة.
-
انخفاض الأجور و غلاء المعيشة
- في كثير من الدول العربية، هناك استهتار كبير في الأجور بالنسبة إلى قيمة العمل مقارنة بالدول المتقدمة، فتجد الكثير من العمال يعمل بشكل دائم و دوام كامل و راتبه قليل و لا يكفيه إلا للطعام و بعض الحاجيات الأساسية.
عدد المهاجرين العرب في الخارج
يقدر عدد المهاجرين العرب في الخارج 50 مليون مهاجر، منهم 13 مليون من الجيل الأول فقط، و هو عدد كبير جدا، إذ توجد بعض الدول العربية لا يصل عدد سكانها إلى هذا العدد.
أكثر الدول العربية من حيث عدد المهاجرين
تأتي دولتا المغرب و مصر في المقدمة، ثم فلسطين المحتلة، ثم العراق، ثم الجزائر، ثم اليمن، ثم سوريان ثم الأردن، ثم لبنان.
الهجرة غير الشرعية في المغرب العربي
من أكثر المناطق نشاطا في الهجرة غير الشرعية منطقة المغرب العربي، و خاصة دول المغرب، الجزائر، تونس، إذ تنتشر في هذه الدول ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالقوارب، و تعرف هذه الظاهرة بـ <الحر ڨة>. و هذا المصطلح يدل على الركوب في قوارب بمحرك و السفر بها نحو شواطئ أوروبا عبر البحر. و هذا من أخطر أنواع الهجرة غير الشرعية لما ينطوي عليه من مخاطر في البحر ثم حراس السواحل ثم مصير مجهول في أوروبا.
الهجرة غير الشرعية إلى بلاد الكفار في نظر الإسلام
الهجرة إلى بلاد الكفار فيها تفصيل كبير، و خلاصة القول أنها لا تجوز عموما إلا بثلاث شروط
شروط الهجرة إلى بلاد الكفار
- أن يكون للإنسان علم يدفع به الشبهات.
- أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
- أن يكون محتاجا لذلك.
إن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار. لما في ذلك من الفتنة و إضاعة الأموال. و الإقامة في بلاد الكفار تستوجب أن يكون المقيم في هذه البلاد له من العلم و الدين ما يصون به نفسه عن الفتن و الشبهات، و أن يكون قادرا على إظهار دينه من الصلاة و الصوم و سائر الشعائر، و أن يكون محتاجا لذلك.
و من أوجه الحاجة للإقامة في بلاد الكفار
- الدعوة لله، و هذا فرض كفاية على المسلمين وهذا من الجهاد في سبيل الله.
- الإقامة لحاجة الدول المسلم و تنظيم علاقاتها كموظفي السفارات و رعاية شؤون الطلبة …
- للحاجة المباحة كالعلاج و التجارة، فيقيم المحتاج لذلك بقدر الحاجة.
- لطلب علم غير موجود في البلاد الإسلامية أو بجودة أكبر، أي لا يوجد له نظير في البلاد المسلمة. و له ضوابط كثيرة حددها العلماء.
أما السكن في بلاد الكفار فيحذر منه العلماء تحذيرا شديدا، لما ينطوي عليه من مفاسد، لأن هذه الإقامة دون غيرها تستوجب الاختلاط بالكفار و ممارسة المواطنة في بلاد الكفر و الخضوع للقوانين… و هذا لا يجوز إلا في حالة استحالة العيش في البلاد الإسلامية.
لكن المسلمين اليوم للأسف الشديد على قدر كبير من الاستهتار بهذا الموضوع، و هذا من ضعف الإيمان و العقيدة، فأن يطيب للمؤمن أن يجاور الكفار دون المسلمين لهو أمر عظيم.
قال رسول الله ﷺ:< إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمَن كانَت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يتزوَّجُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ> صححه الألباني.
و هذا الحديث هو ملخص الكلام، فالهجرة في الأصل لا تكون إلا في سبيل الله، و إن كان و لا بد في هذه الأيام، فعلى الإنسان أن يحاول الهجرة إلى بلاد مسلمة قبل التفكير في البلاد الكافرة، و معروف أن معظم الذين يهاجرون لم يصلوا إلى المستوى الذي يصير فيه العيش في بلاده مستحيلا.
اللهم اهدنا و اهد بنا، و فقهنا في الدين، و اهد شباب هذه الأمة الإسلامية و علمهم ما ينفعهم، و ارحمنا فأنت أرحم الراحمين.