من أكبر مشاكل المجتمع الإسلامي اليوم، الفساد الأخلاقي ، وهي مشكلة عويصة انتشرت بشكل مزمن ورهيب في معظم البلاد المسلمة، في أوساط الشباب وغيرهم كما نراها كل يوم، فما هي أسباب هذه المشكلة؟ ومن المسؤول عنها؟ وكيف الحل والعلاج من هذا الداء العضال؟
ما هو الفساد الأخلاقي ؟
الفساد الأخلاقي هو البعد والتخلي عن الأخلاق القويمة والقيم الفاضلة، والتعود على الأخلاق الدنية وممارستها وشيوعها بين الناس، وهو من أخطر الأمور، وإذا تفشى فساد الأخلاق في مجتمع فأبشر بخرابه ولو بعد حين. وقد صدق الشاعر حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أسباب الفساد الأخلاقي
بالنسبة لنا نحن المسلمين، أول سبب وآخر سبب وأصل كل الأسباب هو بعدنا عن شرعة الله تعالى وعن سنة نبيه الكريم ﷺ، وابتعادنا عن الإسلام يتوقع منه كل شيء.
فيا ليت شعري ما الذي يقوم الإنسان ويعصمه عن المنكرات والفواحش؟ فالإنسان إذا ابتعد عن الإسلام صار كمن يمشي في الظلمات بلا نور لا يدري من أين أتى ولا إلى أين يذهب.
والأسباب المندرجة تحت هذا السبب هي كالآتي:
-
قلة العلم وانتشار الجهل
- وحين نتحدث عن العلم والجهل لا نتحدث عن العلوم الدنيوية، فهذه الجامعات أمامنا من أكثر الأوساط فسادا. وإنما العلم المقصود هو العلم بشريعة الله من عقيدة وفقه وما إلى ذلك.
-
فساد الدين يورث فساد الأخلاق
- ومع الأسف الشديد، الكثير من الناس فسد دينهم وتبنوا أفكارا غربية وفاسدة ومنافية للدين والعقل والفطرة السليمة، فصار دين الناس مشوها.
-
غياب دور الأسرة
- وهذا من أكبر الأسباب، إذ أن الأسرة هي لبنة المجتمع الأساسية، وهي منشأ الفرد ومحل اكتسابه للقيم والأخلاق، واليوم مع الأسف غاب دور الأسرة، وهذا منطقي، فإذا كان الفساد منتشرا، فالآباء كثير منهم فاسدون، وفاقد الشيء لا يعطيه.
-
محاربة العلماء وتغييب دورهم
- وكما نشهد اليوم فإن الأئمة والعلماء صاروا في حرب ضروس، وسهام الباطل تتجه إليهم من كل جانب، وصورهم في العالم بأكمله مشوهة بصورة بشعة، فصار عامة الناس تائهين لا يجدون سبيلا ولا حيلة. والله المستعان.
-
كثرة دعاة الباطل
- وهذا أيضا من أعظم أسباب الفساد، فصرنا نرى دعاة الباطل من الفاسدين مشهورين معروفين ومحبوبين، بل أغنياء بفسادهم، فصاروا القدوة لكثير من الأطفال والشباب مع الأسف الشديد.
-
غياب دور المسجد والمدرسة وما إلى ذلك
- فالمسجد والمدرسة والكتاب وسائر أماكن طلب العلم غاب دورها وطمس، وصارت المساجد اليوم للصلاة ليس إلا، وهذا من أعظم الخطأ، لأن المساجد للصلاة ولذكر الله وطلب العلم. وكذاك المدرسة التي استوردت نظما غربية لا تمت للإسلام في شيء وصارت تدرس لأبنائنا وبناتنا…
-
دور الإعلام في الفساد الأخلاقي
- وللإعلام في فساد الأخلاق حصة الأسد اليوم، وحين نتحدث عن الإعلام، نتحدث عن كل من التلفاز والأنترنت والأفلام والمسلسلات وغيرهما، وخاصة الأنترنت في السنوات الأخيرة، وهي سلاح ذو حدين، ساهمت في ظهور الفساد وشيوعه أيما مساهمات، ولا نحتاج للإسهاب في ذلك لأنه معروف.
-
التبعية العمياء للغرب
- وهذا من ضعفنا وضعف نفوسنا واغترارنا بمظاهر الدنيا وقشورها، فصرنا نتبع الغرب في كل صغيرة وكبيرة، وقد صدق رسول الله ﷺ حين قال:
- {لتتبعن سبل من كان قبلكم…
ولو بقينا نتحدث عن أسباب الفساد الأخلاقي لما وسعتنا كتب مطولة في ذلك، وخلاصة الكلام أنه متعلق بأمرين هما أساسا الفساد الأخلاقي اليوم: الابتعاد عن الإسلام، والتأثر بالغرب المتطور.
من المسؤول عن الفساد الأخلاقي ؟
وهو سؤال صعب وعويص، والإجابه عنه أصعب، فرد مسؤولية هذا الفساد إلى فئة دون أخرى يجعلنا نظلم هذه الفئة، لأن الفساد الأخلاقي أو غيره من مشاكل المجتمع لا تنشأ بسبب قلة أفراد إلا فيما ندر، وإنما تنشأ من عدة عوامل وبسبب المجتمع بأكمله تقريبا.
فمسؤولية الفساد الأخلاقي مسؤولية قديمة، بوادرها بدأت بالظهور منذ أزمان عديدة، وما هذا إلا موروث ورثناه عبر السنوات، وإنما ظهر في هذا الزمن لأنه عصر السرعة والتطور، ولأننا نعاني الضعف.
فمسؤولية الفساد الأخلاقي مسؤولية مشتركة بين المسلمين اليوم والمسلمين من قبل. وما قولنا إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولعل الله يحدث بعد هذا أمرا.
علاج مشكلة الفساد الأخلاقي
يتمحور علاجها حول وترين اثنين: العودة إلى الإسلام الصحيح القويم، والعمل على تقوية المجتمع وتجاوز التبعية للغرب. والعمل على هذا يكون ب:
-
تفعيل دور العلماء رأس قائمة حلول الفساد الأخلاقي
- ويأتي هذا على رأس قائمة الحلول والعلاجات، لأن العلماء هم المصابيح المضيئة للناس، وهم الذين بهم نعرف الحق من الباطل، وهم أخشى عباد الله لله بما عرفوا من الحق. كما قال تعالى:
-
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 28 فاطر.
-
العناية بالأسرة والعمل على إصلاحها
- والعمل على الأسرة يكون بإصلاح المرأة كأول أولوية، لأن المرأة الصالحة مفتاح صلاح الأسرة، ثم بإصلاح الطفل بالمدرسة والمسجد والإعلام.
-
تفعيل دور المسجد والمدرسة وأماكن التعليم
- وهذا من أهم الحلول، لأن المدرسة والمسجد والجامعة والكتاب… هي أماكن تنشئة الأجيال وملإ أوعية فكرهم.
-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقضي على الفساد الأخلاقي
- وهذا من أعظم أسباب فلاح المجتمع وصلاحه، وتركه يؤدي إلى هلاك الأمم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية مشتركة من الفرد وحتى المجتمع وصولا إلى الحكومات.
-
تقوية الإعلام الصالح الهادف
- وهذا يكون بمحاربة الإعلام الفاسد وتقوية الإعلام الإسلامي الصحيح ومواكبته مع التطور الهائل للتكنلوجيا، وقال الإمام ابن العثيمين رحمه الله في هذا الصدد:
-
زاحموا أهل الباطل في الأنترنت حتى يتبين الحق.
-
ترك التبعية للغرب والعمل على محاربتها بكل الوسائل
- لأن التبعية العمياء لا تقيم الحضارات، وإنما تطمس الهويات وتشوه الدين والأخلاق، فعلينا أن نحارب هذه الظاهرة بكل ما أوتين من القوة، وفي كل ما نستطيع، بداية من الفرد وصولا إلى المجتمع بأكمله، وما ذاك إلا بالتمسك بشرع الله وسنة رسوله الكريم ﷺ وأصحابه الطيبين الطاهرين والعض عليها بالنواجذ.
-
العمل على قوتنا تطور بلادنا
- والتطور أمر مهم جدا، وهو مفتاح القضاء على الضعف والتبعية، لأننا مهما حاربنا التبعية فإن النفس البشرية تميل لتقليد الأقوى، لذا علينا أن نكون أقوياء حتى يقتدي بنا أبنائنا في المستقبل، وأن نكون لهم مصدر عز وفخر وقوة، لا مصدر خزي وعار ومذلة كما هو الحال بالنسبة لكثير منا اليوم.
ختاما
الحديث عن الفساد الأخلاقي جزء من موضوع كبير جدا، لأن المشاكل كثيرة عديدة، لكننا مهما حاولنا أن نحلها بالحلول البسيطة والمؤقتة لم نقض عليها، لأن القضاء على الداء إنما يكون من أصله، ولكن هذا لا يعني أن لا نعمل، فعلينا أن نصلح ما استطعنا، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وأمرنا إلى الله تعالى، هو مولانا لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
اللهم إنا نسألك إصلاح حالنا، اللهم ردنا إلى الإسلام ردا جميلا، وانصرنا نصرا مؤزرا يا رب العالمين، اللهم إنك أنت القادر على كل شيء فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقالات مشابهة
التكافل الاجتماعي في الإسلام، أهميته، صوره في الإسلام، فوائده…
المشاكل التي تواجه الشباب في المجتمع – وحلولها من جهة الشاب والمجتمع والحكومات