مما جاء به الإسلام وعمل على تحقيقه على أكمل الوجوه، التكافل الاجتماعي، وهو من أسس النظام الاقتصادي الإسلامي، يتجلى ذلك في العديد من الشرائع التي شرعها رب العزة جل وعلا، في هذا المقال، نتحدث عن التكافل الاجتماعي ، أهميته، صوره في الإسلام، وفوائده الجليلة.
مفهوم التكافل الاجتماعي
معناه مأخوذ من معنى الكفالة، وهي التعهد والتحمل عن الآخرين، فالمجتمع المسلم يكفل بعضه بعضا، فيكفل الميسر المعسر، والغني الفقير، والقوي الضعيف…
أهمية التكافل الاجتماعي
يعتبر التكافل الاجتماعي أمرا مهما جدا، خاصة بالنسبة للدول الفقيرة، ويمكن تلخيص أهميته في النقاط التالية:
تخفيف وطأة الفقر
- فالتكافل الاجتماعي يعد من أهم حلول الفقر، وهو من الحلول الدائمة له، لأن التكافل الاجتماعي يرفع الغبن عن كثير من الفقراء الذين بلغ بهم الفقر إلى حد الفاقة.
تطهير الأموال وتزكيتها
- وهذا في القرآن الكريم، في الحديث عن الزكاة إذ قال تعالى:
- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} التوبة.
- فالزكاة مطهرة وتزكية للأموال مما يخالطها من المحرمات بغير علم.
تطييب نفوس الفقراء
- وما أحوج الفقير إلى من يشعره بالإحاطة والأمان والطيبة، لأن الفقر ينهكه، ويشعره بالخوف على أهله وعلى نفسه، فإذا وجد العون من المحسنين شعر بالعزة والأمان، وشعر أنه في مجتمع لا يغبن فيه الفقير بفقره.
تماسك المجتمع وترابطه
- كما أن التكافل الاجتماعي يساهم بشكل كبير جدا في تماسك المجتمع، لأنه يزيل الحسد والبغضاء بين الناس، خاصة تلك التي تنشأ من حسد الأغنياء على ما آتاهم الله.
صور التكافل الاجتماعي في الإسلام
ومن أكبر صور التكافل الاجتماعي وأوضحها:
الزكاة من صور التكافل الاجتماعي
- وهي أكبر صورة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وجعل الزكاة ركنا من أركان الإسلام التي لا يتم الإسلام إلا بها هو دليل كاف على أن الإسلام جعل التكافل الاجتماعي من الأولويات القصوى.
- ومن أنواع الزكاة زكاة الفطر وزكاة الأموال وزكاة الثمار وزكاة الأنعام…
الصدقة والحث عليها في الإسلام
- كما أن الصدقة من أكثر الأمور التي حث عليها الإسلام، وجعلها من أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان، والزكاة تعتبر صدقة، لكنها صدقة واجبة، والصدقة التي نتحدث عنها هنا هي غير الواجبة. ومن الأحاديث النبوية الحاثة على الصدقة:
- قال رسول الله ﷺ {الصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ} صححه الألباني. وغير ذلك كثير.
- الكفارات
- كما أن الله تعالى شرع الكفارات وقرنها بالتكافل الاجتماعي كثيرا، ومن ذلك كفارة قتل الخطإ وإفطار الصائم المريض أو المسافر وكفارة اليمين وغير ذلك.
كفالة اليتيم من صور التكافل الاجتماعي
- عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: {أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين} وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني : السَّبَّابةَ والوسطى. صححه الألباني.
وصاية رسول الله ﷺ بالجار والضيف
- كما أن الإحسان للجار من صور التكافل الاجتمعاي، وقد أوصى به رسول الله ﷺ في غير حديث، بل وتوعد من يسيء إلى جاره فلا يأمن بوائقه أنه لن يدخل الجنة، وأنه لا يؤمن من لا يأمن جراه بوائقه وغير ذلك. وكذلك وصايته بالضيف.
التكافل الاجتماعي في النوازل
- وهذا النوع من التكافل الاجتماعي عرف عند قبيلة الأشعريين في زمن الرسول ﷺ، قال عنهم ﷺ في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري:
- {إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ.} رواه البخاري.
- فهؤلاء كانوا يجمعون كل ما لديهم من طعام في ثوب واحد حتى لا يعلم أحد بما وضعه أحد آخر، ثم اقتسموه بينهم بالسوية، وهي من الصور العظيمة للتكافل الاجتماعي التي تدل على أن المجتمع مترابط متماسك. لذا قال عنهمﷺ: فهم مني وأنا منهم.
فوائد التكافل الاجتماعي
- تقوية المجتمع وتأصيل روابطه.
- رفع الغبن عن الفقراء الذين ليس لهم حيلة.
- تقوية الفرد معنويا وإشعاره بأنه عزيز في مجتمعه.
- وهذه النقطة بالذات من أهم النقاط، وهي الجانب المعنوي في المجتمع، إذ أن شعور الفرد بأن مجتمعه لا يزال فيه الخير كفيل بأن يزرع فيه حبا لأفراد هذا المجتمع، وهذا ما يميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، حتى ولو كثرت الخلافات ولكن أفراد المجتمع يحبون بعضهم بعضا لأنهم يعلمون أن الخير ما زال فيهم وإن قل.
القضاء على كثير من المشاكل الاجتماعية
- ولو عنينا بهذا الجانب عناية قوية، لأمكننا من حل كثير من المشاكل الاجتماعية المنتشرة، وهذا من فوائده العظيمة، إذ يمكن به المساهمة في القضاء على البطالة بشكل فعال، والمساهمة في حل كثير من مشاكل الشباب منها عدم القدرة على الزواج.
- وهذا عن طريق جمع الأموال من الزكاة والصدقات وغيرها وبذلها في سبل إنشاء مؤسسات وقفية للعمل تشغل البطالين من الفقراء، ولإعانة الشباب غير القادرين على الزواج وغير ذلك. لأن تنظيم عمليات جمع الأموال وحسن استثمارها يساهم في تقوية هذا الجانب كثيرا.
- فهناك كثير من الأغنياء وأصحاب الأموال والممتلكات يريدون أن يتصدقوا بأموالهم ويسخروا ممتلكاتهم في خدمة المسلمين لكنهم لا يجدون اليد الأمينة.
- هذا غير القضاء على الآفات الاجتماعية من المخدرات والجرائم والفقر وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تفتك بالمجتمع كل يوم.
-
التكافل الاجتماعي أفضل بديل لنظم التأمين المستوردة
- ومن الملفت أن معظم البلدان الإسلامية اليوم للأسف استوردت نظما اقتصادية واجتماعية من الغرب، وهناك الكثير من المشاكل التي تؤرقنا بسبب هذه النظم بسبب عدم ثقتنا فيها وبسبب اختلافها مع شريعتنا، ومنها نظم التأمين الصحي وغيره، والتكافل الاجتماعي يعد أفضل حل لنا نحن المسلمين لاستبدال هذه النظم.
- بل إن التكافل الاجتماعي بمفاهيمه الإسلامية أفضل بكثير من هذه النظم، لأنه نظام يعمل بالعدل وليس بالمساواة، فالزكاة تؤخذ نسبة إلى مقدار الأموال، وتأخذ من الأغنياء دون الفقراء، وتأخذ برضى أهلها كونها فرض رباني عليهم. وتصرف حسب الحاجة على المحتاجين إليها.
ختاما
ما أحوجنا إلى العودة إلى النظم الإسلامية العظيمة، من التكافل الاجتماعي وغيره في النظام الاقتصادي في الإسلام والإسلام عامة، وهذا من معاني رجوعنا إلى الإسلام الذي هو عزنا، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
فنصرنا وعزتنا وعودة مجدنا وقوة شوكتنا لن يكون إلا بأمر واحد، بعودتنا إلى الإسلام الصحيح، على شرعة الله وسنة نبيه الكريم ﷺ وخلفائه الراشدين المهديين. وإن ابتغينا العزة بغير هذا أذلنا الله.
اللهم ردنا إلى الإسلام ردا جميلا، وانصرنا نصرا مؤزرا، واهدنا واهد بنا يا رب العالمين.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر
القرآن الكريم
السنة النبوية الصحيحة –موقع حديث للتحقق من صحة الأحاديث-