الإسراء و المعراج ،في السنوات الأخيرة من حياة رسول الله ﷺ في مكة المكرمة، حدثت حادثة عظيمة كانت كالنجم المضيء الذي ينير لرسول الله ﷺ الطريق في ظلمة الأحداث الصعبة و المدلهمات التي حدثت في بدايات الإسلام، من إيذاء قومه و حادثة الطائف و كل ما لاقاه رسول الله ﷺ في سبيل الدعوة.
فما هي حادثة الإسراء و المعراج؟ و ما الذي حدث فيها بالتفصيل؟ و ما الذي رآه رسول الله ﷺ في هذه الرحلة؟ و ما هو الفرض الذي فرض على المسلمين في هذه الحادثة؟
حادثة الإسراء و المعراج
حدثت في السنوات الأخيرة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هناك اختلاف في تعيين زمنها بالضبط، لكن الراجح عند العلماء أنها في السنوات الأخيرة، و لعل الثابت أنها حدثت بعد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها التي توفيت في رمضان سنة عشر بعد بعثة رسول الله ﷺ.
و يظن بعض الناس أن ليلة الإسراء و المعراج هي ليلة 27 من شهر رجب و يحتفلون بها، لكن ذلك غير ثابت بل هو ضعيف جدا، لأن من قال أنها في 27 من رجب قال أنها في السنة 10 بعد البعثة، و في هذا التاريخ كانت أمنا خديجة رضي الله عنها لا تزال حية، و المعلوم أن الصلاة التي فرضت في ليلة الإسراء و المعراج فرضت بعد وفاتها.
و على كل حال ليس من الضروري لنا أن نعرف تاريخها بالضبط، لأن الاحتفال بها من البدع التي لم ترد عن النبي ﷺ و لا عن أصحابه رضي الله عنهم.
يقول العلامة ابن باز رحمه الله: <بعض المؤرخين للسيرة يرون أنَّ ليلة سبعٍ وعشرين هي ليلة الإسراء والمعراج، ويحتفلون بها، وهذا شيءٌ لا أصلَ له، وليلة الإسراء والمعراج لم تُحفظ، وهذا بحكمة الله أن نسيها الناسُ، وذلك من أسباب عدم الغلو فيها>.
قصة الإسراء و المعراج
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في مكة فأتاه جبريل، فأخذه على البراق من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فنزل هناك و صلى بالأنبياء إماما في المسجد الأقصى، و ربط البراق بحلقة باب المسجد.
ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأى في السماء الدنيا آدم عليه السلام، فسلم عليه فرحب به و رد عليه السلام و أقر بنبوته، و أراه الله أرواح الشهداء عن يمينه، و ارواح الأشقياء عن يساره.
و كان جبريل يصعد به من سماء إلى سماء، و كلما صعد به إلى سماء استفتح له فيُفتح له، و لقي في كل سماء نبيا، و سلم على كل منهم و ردوا عليه السلام و رحبوا به و أقروا نبوته، فلقي في السماء الثانية يحيى و عيسى ابن مريم عليهما السلام، و لقي في الثالثة يوسف الصديق عليه السلام، و في الرابعة إدريس عليه السلام، و في الخامسة هارون ابن عمران عليه السلام، و في السادسة لقي موسى كليم الله عليه السلام، و في السابعة لقي أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام.
و لما جاوز موسى عليه السلام بكى كليم الله، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي.
ثم صعد به جبريل إلى سدرة المنتهى، ثم إلى البيت المعمور فسأل جبريلَ عنه فقال: <هذا البيتُ المعمورُ، يصلي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملَكٍ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخِرَ ما عليهم>، ،
قال ابن قيم الجوزية: < ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، و أوحى إليه ربه تعالى ما أوحى، و فرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر على موسى عليه السلام فسأله موسى: بم أمرك؟ قال: بخمسين صلاة. قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم، إن شئت، فعلى به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك و تعالى، فوضع عنه عشرا (أي أنه جعلها 40)، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل بين موسى وبين الله عز و جل، حتى جعلها خمسا، فأمره موسى بالرجوع و سؤال التخفيف، فقال: قد استحييت من ربي، و لكني أرضى و أسلم، فلما بعد نادى مناد: قد أمضيت فريضتي و خففت عن عبادي>.
ماذا رأى رسول الله ﷺ في رحلة الإسراء و المعراج؟
رأى الرسول ﷺ الكثير من الأمور التي دلت عليها الأحاديث الشريفة، و من أهم ما رأى:
- عرض عليه لبن و خمر، فاختار اللبن، فقيل: هديت الفطرة، أما إنك لو اخترت الخمر غوت أمتك.
- رأى أربعة أنهار في الجنة، اثنان ظاهران و اثنان باطنان، و الظاهران هما النيل و الفرات، و ليست الحكمة من رؤيته للنيل و الفرات أنهما نهران ينبعان من الجنة، و إنما أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل و الفرات.
- رأى مالك خازن النار، و هذا الملك لا يضحك من شدة هول منظر جهنم.
- رأى الجنة و النار.
- رأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب و آخر منتن غث، فيأكلون من المنتن و يتركون الطيب.
- رأى النساء اللاتي يدخلن إلى بيوت رجالهن من ليس من أبنائهم معلقات بأثدائهن في النار.
- قال رسول الله ﷺ: ( لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) رواه أبو داود .
- ورأى أقوامًا تقطَّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل – عليه السلام -: ( هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟ ) رواه أحمد وصححه الألباني .
- رأى نهر الوثر، الذي أعطاه الله سبحانه لنبينا محمد ﷺ.
تكذيب قريش قصة الإسراء و المعراج
لما أصبح رسول الله ﷺ من ليلة الإسراء و المعراج، و قص على قومه ما حدث معه كذبوه و اشتد تكذيبهم له، و أخذوا يسألونه حتى يثبتوا كذبه، فسألوه أن يصف لهم بيت المقدس و هم يعلمون أنه لم يذهب إليه قبلا، فجلاه الله له حتى عاينه، فأخبرهم عن آياته فلم يستطيعوا أن يردوا عليه شيئا، و أخبرهم عن عير لهم رآها في الطريق، و أخبرهم عن وقت قدومها، و عن البعير الذي يقدمها، لكن الظلمين بآيات الله يجحدون، فلم يزدهم ذلك إلا نفورا.
فريضة الصلاة تفرض من فوق سبع سماوات
الفريضة الوحيدة التي لم تفرض على الأرض، و إنما فرضت من فوق سبع سماوات هي فريضة الصلاة، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظم هذه العبادة و مكانتها، فهي عماد الدين، و هي العهد الذي بيننا و بين الكفار، فقد قال ﷺ:< العَهدُ الَّذي بَينَنا و بينَهُم الصَّلاةُ فمَن تركَها فقَد كَفرَ> رواه الألباني.
هذه هي حادثة الإسراء و المعراج، و هذا ما حدث فيها، و هذا ما رآه رسول الله فيها، و هذه هي الفريضة العظيمة التي فرضت من فوق سماوات سبع، فرضها الله على عبده محمد ﷺ و ليس بينه و بين الله حجاب.
اللهم اهدنا بالإسلام، و اجعلنا هداة مهتدين، و أدخلنا الجنة مع الشهداء و الصالحين، و قنا عذاب النار، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القبر، و من فتن يوم الآخرة، و نسألك اللهم أن تصلح حالنا يا رب العالمين.